إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: بعث رسول الله إلى أبي رافع عبد الله بن عتيك

          4040- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ) بنِ حكيمٍ الأَوْدِيُّ الكُوفيُّ قال: (حَدَّثَنَا شُرَيْحٌ) بضم الشين المعجمة آخره مهملة (هُوَ: ابْنُ مَسْلَمَةَ) بالميم واللام المفتوحتين، الكُوفيُّ، وسقط «هو» لأبي ذرٍّ، قال: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ أَبِيهِ) يوسفَ بنِ إسحاقَ (عَنْ) جدِّه (أَبِي إِسْحَاقَ) عَمرو السَّبيعِيِّ، أنَّه (قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ) زاد أبو ذرٍّ وابنُ عساكرٍ ”ابنَ عَازبٍ“ ( ☺ ، قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلعم إِلَى أَبِي رَافِعٍ) عبدِ الله بنِ أبي الحُقيق (عَبْدَ اللهِ بْنَ عَتِيكٍ وَعَبْدَ اللهِ بْنَ عُتْبَةَ) بضم العين المهملة وسكون الفوقية، ولم يُذكَر إلَّا في هذا الطَّريقِ، وفي «مبهمات» الجلال البُلقيني: أنَّ في الصَّحابة عبدَ اللهِ بن عُتبة اثنان: أحدهما: مُهَاجِرِي، وهو عبدُ الله بن عتبة بن مسعود، والآخرُ: عبدُ اللهِ بن عُتبَة أبو قَيس الذَّكْواني، والأوَّل غيرُ مرادٍ قطعًا؛ لأنَّ مَن أثبتَ صُحبتَه ذكرَ أنَّه كان خماسيَّ السِّنِّ أو سداسيَّه، فتعيَّن الثَّاني.
          وهذه القصَّة من مفرداتِ الخزرجِ(1)، وزادَ الذَّهبيُّ ثالثًا وهو: عبدُ اللهِ بن عُتبَة أحدُ بني نَوفَل، له ذِكرٌ في زمنِ(2) الرِّدَّةِ، نقله وَثِيمة عن(3) ابن إسحاق، وقال _في الذَّكوانِي_ قيلَ: له صحبةٌ (فِي نَاسٍ مَعَهُمْ) هم: مسعودُ بن سنانٍ الأسلمِيُّ حليفُ بني سَلمة، وعبدُ اللهِ بن أُنَيْسٍ _بضم الهمزة مصغرًا_، الجُهَنِيُّ، وأبو قتادةَ الأنصاريُّ فارسُ رسول الله صلعم ، وخُزَاعِيُّ _بضم الخاء المعجمة وفتح الزاي وبالعين المهملة_ ابنُ الأسود(4) الأسْلَميُّ، حليفُ الأنصارِ، وقيل: هو: أسودُ بن خُزَاعي / ، وقيل: أسودُ بن حرام (فَانْطَلَقُوا حَتَّى دَنَوْا) قَربوا (مِنَ الحِصْنِ) الَّذي فيه أبو رافع (فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَتِيكٍ: امْكُثُوا أَنْتُمْ) بالمثلثة (حَتَّى أَنْطَلِقَ أَنَا فَأَنْظُرَ) بالنصب عطفًا على «أنطلق» (قَالَ) ابنُ عَتِيك: فَجِئْتُ (فَتَلَطَّفْتُ أَنْ أَدْخُلَ الحِصْنَ، فَفَقَدُوا) بفتح القاف (حِمَارًا لَهُمْ، قَالَ: فَخَرَجُوا بِقَبَسٍ) بشُعْلَةِ نارٍ (يَطْلُبُونَهُ، قَالَ: فَخَشِيتُ أَنْ أُعْرَفَ) بضم الهمزة وفتح الراء (قَالَ(5): فَغَطَّيْتُ رَأْسِي) بثوبِي (ورِجْلِي) بالإفراد، كذا في الفَرْع وأصله، لكنَّهُما ضَبَّبا عليها(6)، وللأربعة ”وجلست(7)“ (كَأَنِّي أَقْضِي حَاجَةً، ثُمَّ نَادَى صَاحِبُ البَابِ) الَّذي يفتحهُ ويغلِقُه (مَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ) ممَّن يسمَرُ عندَ أبي رافع (فَلْيَدْخُلْ قَبْلَ أَنْ أُغْلِقَهُ)‼ بضم الهمزة، قالَ ابن عَتِيك: (فَدَخَلْتُ، ثُمَّ اخْتَبَأْتُ فِي مَرْبِطِ حِمَارٍ) كائنٍ (عِنْدَ بَابِ الحِصْنِ) وباء «مربِط» مكسورة (فَتَعَشَّوْا عِنْدَ أَبِي رَافِعٍ، وَتَحَدَّثُوا) عندَهُ (حَتَّى ذَهَبَتْ) بتاء التأنيث، ولأبي ذرٍّ وابنِ عساكرٍ ”ذهبَ“ (سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى بُيُوتِهِمْ) بالحصنِ (فَلَمَّا هَدَأَتِ الأَصْوَاتُ) بالهمزة المفتوحة في «هدأَت» أي: سَكَنَت. وقال السَّفاقِسي: «هَدَت» بغير همزٍ ولا ألف، ووجَّهه في «المصابيح»: بأنَّه: خفَّفَ الهمزة المفتوحة بإبدالها ألفًا، مثلَ: منساة، فالتقتْ هي والتاء الساكنة، فحُذِفت الألف لالتقاءِ السَّاكنين قال: وهذا وإن كانَ على غيرِ قياسٍ لكنَّه يستأنسُ به؛ لئلَّا يُحملَ اللَّفظُ على الخطأِ المحضِ. انتهى.
          وصوَّبَ السَّفاقِسي: الهمز. ولم أرَ تركَهُ في أصلٍ من الأصولِ التي رأيتُها، فالله أعلم.
          (وَلَا أَسْمَعُ حَرَكَةً خَرَجْتُ) من مربطِ الحمارِ الَّذي اختبأتُ فيه (قَالَ: وَرَأَيْتُ صَاحِبَ البَابِ) الموكَّل به (حَيْثُ وَضَعَ مِفْتَاحَ الحِصْنِ فِي كَـُوَّةٍ) بفتح الكاف _وتضم_ وتشديد الواو وهاء التأنيث، والكَوَّة: الخرقُ في الحائطِ، والتأنيثُ للتَّصغيرِ، والتَّذكير للتكبيرِ(8) (فَأَخَذْتُهُ فَفَتَحْتُ بِهِ بَابَ الحِصْنِ، قَالَ: قُلْتُ: إِنْ نَذِرَ بِي القَوْمُ) بكسر الذال المعجمة، أي: علِموا بي (انْطَلَقْتُ عَلَى مَهَلٍ) بفتح الميم والهاء (ثُمَّ عَمَدْتُ) بفتح الميم (إِلَى أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ) بالحصنِ (فَغَلَّقْتُهَا عَلَيْهِمْ مِنْ ظَاهِرٍ) بالغين المعجمة المفتوحة وتشديد اللام، ولأبي ذرٍّ ”فَغَلَقتها“ بتخفيفها، ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ ”فَأَغْلَقتها“ بالألف. قال ابن سِيْده: غلَقَ البابَ وأغلقَهُ وغلَّقَهُ، وهي لغةُ التَّنزيلِ: {وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ}[يوسف:23] وقال سيبويه: {وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ} _أي: بالتَّشديد_ للتَّكثير، وقد يُقال: أَغلَقت _أي: بالألفِ_ يريدُ بها التَّكثير. قال: وهو عربيٌّ جيِّد.
          وقال ابنُ مالكٍ: غَلَّقت وأَغْلَقت بمعنًى. وقال في «القاموس»: غَلَق البابَ يَغْلِقُه لُثْغَةٌ أو لُغَيَّة(9) رَديئةٌ في أغْلَقَه.
          (ثُمَّ صَعِدْتُ) بكسر العين (إِلَى أَبِي رَافِعٍ فِي سُلَّمٍ) بضم السين وتشديد اللام مفتوحة، بوزن سُكَّر، في مرقاة (فَإِذَا البَيْتُ) الَّذي هو فيه (مُظْلِمٌ قَدْ طَفِئَ سِرَاجُهُ) بفتح الطاء، وفي نسخة: بضمها (فَلَمْ أَدْرِ أَيْنَ الرَّجُلُ) أبو رافع (فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ؟ قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ) ابنُ عَتِيك، وسقطَ لفظ «قالَ» لأبي ذرٍّ (فَعَمَدْتُ) بفتح الميم (نَحْوَ) صاحب (الصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ) بهمزةٍ مقطوعةٍ بلفظ المضارع؛ مبالغةً لاستحضارِ صورةِ الحال (وَصَاحَ) أبو رافعٍ (فَلَمْ تُغْنِ) فلم تنفَعِ الضَّربةُ (شَيْئًا. قَالَ) ابنُ عَتِيك: (ثُمَّ جِئْتُ كَأَنِّي أُغِيْثُهُ) بهمزة مضمومة فغين معجمة مكسورة ومثلثة، من الإغاثة (فَقُلْتُ: مَا لَكَ) بفتح اللام، أي: ما شأنُكَ (يَا أَبَا رَافِعٍ؟ وَغَيَّرْتُ صَوْتِي، فَقَالَ: أَلَا) بفتح الهمزة وتخفيف اللام (أُعْجِبُكَ لأُمِّكَ الوَيْلُ) الجارُّ والمجرور خبرُ تاليهِ (دَخَلَ عَلَيَّ)‼ بتشديد الياء (رَجُلٌ فَضَرَبَنِي بِالسَّيْفِ، قَالَ: فَعَمَدْتُ لَهُ أَيْضًا فَأَضْرِبُهُ) ضَربةً (أُخْرَى، فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا، فَصَاحَ وَقَامَ أَهْلُهُ).
          وعندَ ابنِ إسحاق: فصاحَت امرأتُهُ فَنَوَّهت بنا، فجعَلنا نرفَعُ السَّيفَ عليها، ثمَّ نذكرُ نهيَ النَّبيِّ صلعم عن قتلِ النِّساء فنكُفَّ عنها (قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي ”فجئتُ“ (وَغَيَّرْتُ صَوْتِي كَهَيْئَةِ المُغِيثِ) له (فَإِذَا) بالفاء، ولابنِ عساكرٍ ”وإذَا“ (هُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ، فَأَضَعُ السَّيْفَ فِي بَطْنِهِ، ثُمَّ أَنْكَفِئُ) بفتح الهمزة وسكون النون، أي: أَنْقَلب (عَلَيْهِ حَتَّى سَمِعْتُ صَوْتَ العَظْمِ، ثُمَّ خَرَجْتُ) حالَ كوني (دَهِشًا) بكسر الهاء (حَتَّى أَتَيْتُ السُّلَّمَ أُرِيدُ أَنْ أَنْزِلَ، فَأَسْقُطُ مِنْهُ، فَانْخَلَعَتْ رِجْلِي فَعَصَبْتُهَا) استُشْكلَ مع قولهِ في السَّابقةِ / : «فانكَسَرَت» [خ¦4039]. وأُجِيب بأنَّها انخلَعَت منَ المفصَلِ وانكَسَرت(10) من السَّاقِ، أو المرادُ من كلٍّ منهما مجرَّد اختلالِ الرِّجل.
          (ثُمَّ أَتَيْتُ أَصْحَابِي أَحْجُلُ) بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة وضم الجيم بعدها لام، أمشِي مشيَ(11) المُقَيَّد، فحَجْلُ البعيرِ على ثلاثةٍ والغلامُ على واحدةٍ (فَقُلْتُ) لهم: (انْطَلِقُوا فَبَشِّرُوا رَسُولَ اللهِ صلعم ) بقتلهِ (فَإِنِّي لَا أَبْرَحُ حَتَّى) إلى أن (أَسْمَعَ النَّاعِيَةَ) تُخبر بموته (فَلَمَّا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ) مُستقبَلِهِ (صَعِدَ النَّاعِيَةُ فَقَالَ: أَنْعَى) بفتح العين (أَبَا رَافِعٍ) وقال الأصمعيُّ(12): إنَّ العرب إذا ماتَ فيهم الكبيرُ ركبَ راكبٌ فرسًا وسارَ فقال: نعيُ(13) فلان (قَالَ) ابنُ عَتِيك: (فَقُمْتُ أَمْشِي مَا بِي قَلَبَةٌ) بفتح القاف واللام، أي: تَقَلُّبٌ واضطرابٌ من جهة علَّة(14) الرِّجل (فَأَدْرَكْتُ أَصْحَابِي قَبْلَ أَنْ يَأْتُوا النَّبِيَّ صلعم فَبَشَّرْتُهُ) بقتلِ أبي رافعٍ. واستُشْكلَ قوله: «فقُمت أَمشِي ما بي قَلَبَةٌ». مع قوله السابق: «فَمَسحها فكَأنَّها لم أَشتكها» [خ¦4039](15).
          وأجيبَ بأنَّه لا يلزمُ من عدمِ التَّقلُّبِ عوده إلى حالتهِ الأولى وعدم بقاءِ الأثرِ فيها، ولعلَّه اشتغلَ عن شدَّةِ الألمِ والاهتمامِ بهِ بما وقعَ له من الفرحِ، فأُعينَ(16) على المشيِ، ثمَّ لمَّا أتى النَّبيَّ صلعم ومسحَ عليه زالَ عنه جميع الآلامِ(17).


[1] في (د): «الخزرجي».
[2] «زمن»: ليست في (ص).
[3] في (ص) و(س): «وتتمته عند».
[4] في (ص) زيادة: «ابن الخزاعي».
[5] «قال»: ليست في (ب) و(د).
[6] في (د): «كذا في الفرع لكنَّه ضبب عليها».
[7] في (ص): «جلست».
[8] في (م): «للتكثير».
[9] في الأصول: «لغية أو لغة»، وهو خطأ من الناسخين، وما أثبته من «القاموس المحيط» (ص: 915). مادة (غلق).
[10] في (ص): «وكسرت».
[11] في (ص): «كما يمشي».
[12] في (م): «الإسماعيلي».
[13] في (د): «أنعى».
[14] «علة»: ليست في (ص).
[15] في (ص): «أشكها».
[16] في (د): «وأعين».
[17] في (م): «الألم».