إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من أنفق زوجين من شيء من الأشياء في سبيل الله دعي من أبواب

          3666- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحكمُ بنُ نافعٍ قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”أخبرنا“ (شُعَيْبٌ) هو ابنُ أبي حمزةَ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّدِ بنِ مسلمِ ابنِ شهابٍ أنَّه(1) (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ) ☺ (قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ: مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ) أي: شيئين (مِنْ شَيْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ) وفُسِّرَ في بعض الأحاديث: ببعيرين، شاتين، درهمين، قال التُّوربِشتيُّ: ويَحتملُ أن يُراد به تكرارُ الإنفاق مرَّةً بعد(2) أخرى، قال الطِّيبيُّ: وهذا هو الوجه إذا حملت التثنية على التكرير؛ لأنَّ القصد من الإنفاق التثبيت من الأنفس بإنفاق كرائم الأموال، والمواظبة على ذلك، كما قال تعالى: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ}[البقرة:265] أي: ليثبتوا ببذل المال الذي هو شقيق الروح، وبذله أشقُّ شيء على النفس من سائر العبادات الشاقَّة (فِي سَبِيلِ اللهِ) في طلب ثوابه، وهو أعمُّ مِنَ الجهاد وغيرِه مِنَ العبادات أو خاصٌّ بالجهاد (دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ) بغير تنوين (يَعْنِي: الجَنَّةَ) الظاهرُ(3) أنَّ لفظ «الجنة» سقط عند بعض الرواة، فلمراعاة(4) المحافظة(5) زاد: «يعني» (يَا عَبْدَ اللهِ؛ هَذَا خَيْرٌ) أي: مِنَ الخيرات، وليس المراد به أفعل تفضيل (فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ) المؤدِّينَ لفرائضها المكثرينَ مِن نوافلها (دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الجِهَادِ؛ دُعِيَ مِنْ بَابِ الجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ) المكثرين منها (دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ) المكثرين منه (دُعِيَ مِنْ بَابِ الصِّيَامِ وَبَابِ الرَّيَّانِ) وسقطت الواو من بعض النسخ، فيكون «باب» بدلًا أو بيانًا (فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا عَلَى هَذَا الَّذِي يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ مِنْ ضَرُورَةٍ) قال المظهري: «ما» نفي / و«مِن» في «من ضرورة» زائدة، أي: ليس ضرورة على مَن دُعي مِن تلك الأبواب؛ إذ لو دُعي مِن باب واحدٍ؛ لحصلَ مرادُه؛ وهو دخولُ الجنَّة، مع أنَّه لا ضرورةَ عليه أنْ يُدْعَى مِن جميع الأبواب (وَقَالَ) أبو بكر: الصديق ☺ (6): (هَلْ يُدْعَى مِنْهَا كُلِّهَا أَحَدٌ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ) صلعم ، ولأبي ذرٍّ: ”فقال“: (نَعَمْ) يُدعى منها كلِّها على سبيل التخيير في الدخول مِن أيِّها شاء؛ لاستحالة الدخول مِنَ الكلِّ معًا (وَأَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ يَا أَبَا بَكْرٍ) والحاصل(7): أنَّ كلَّ مَن أكثر نوعًا(8) من العبادة خُصَّ ببابٍ يُناسبها(9)‼ يُنادَى منه، فمَنِ اجتمع له العملُ بجميعها؛ دُعِي مِن جميع الأبواب على سبيل التكريم، ودخولُه إنَّما يكون من بابٍ واحدٍ؛ وهو باب العمل الذي يكون أغلب عليه، وأنَّ الصديق مِن أهل هذه الأعمال كلِّها؛ إذ الرجاء منه صلعم واجبٌ، وفيه أقوى دليلٍ على فضيلة أبي بكر الصدِّيق ╩ ، والحديث سبق في «الصوم» [خ¦1897].


[1] «أنه»: ليس في (د).
[2] «بعد»: ليس في (م).
[3] في (ص) و(م): «فالظاهر».
[4] في (م): «عادة».
[5] في (ص) و(م): «المخالفة».
[6] «الصديق ☺»: مثبت من (س) و(ص).
[7] في (ص) و(م): «فالحاصل».
[8] في (د): «من نوع».
[9] في (ب) و(س): «يناسبه».