الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الوفاء بالنذر

          ░26▒ (باب: الوفاء بالنَّذر)
          أي: حكمه وفضله، قاله الحافظ. وذكر المصنِّف فيه كلا النَّوعين ما يدلُّ على المدح بوفاء النَّذر، وما يدلُّ على المنع عن النَّذر، وسيأتي توجيه ذلك مِنْ كلام الحافظ. (وقوله: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان:7]) يُؤخَذ منه أنَّ الوفاء به قُربة؛ للثَّناء على فاعله، لكنَّ ذلك مخصوص بنذر الطَّاعة. انتهى مِنَ «الفتح».
          وقالَ العلَّامةُ العينيُّ: أورد هذه الآية إشارةً إلى أنَّ الوفاء بالنَّذر ممَّا يجلب الثَّناء على فاعله، ولكنَّ المراد هو نذر الطَّاعة لا نذر المعصية، وقام الإجماع على وجوب الوفاء إذا كان النَّذر بالطَّاعة، واختُلف في ابتداء النَّذر فقيل: إنَّه مستحبٌّ، وقيل: مكروه، وبه جزم النَّوويُّ، ونصَّ الشَّافعيُّ على أنَّه خلافُ الأَولى، وحمل بعض المتأخِّرين النَّهي على نذر اللَّجاج، واستحبَّ نذر التَّبرُّر. انتهى.
          ولم يذكر العينيُّ مذهب مالك، وذكره الحافظ إذ قال بعد نقل نصِّ الشَّافعيِّ: إنَّ النَّذر مكروه، وكذا نُقل عن المالكيَّة، وجزم به عنهم ابن دَقيقِ العِيد، وأشار ابن العربيِّ إلى الخلاف عنهم، وجزم الحنابلة بالكراهة، وعندهم روايةٌ في أنَّها كراهة تحريمٍ، وتوقَّف بعضُهم في صحَّتها. انتهى.
          قالَ القَسْطَلَّانيُّ: والَّذِي رأيته في «شرح مختصر الشَّيخ خليل» للشَّيخ بهرام المالكيِّ: أنَّ النَّذر المطلق_وهو الَّذِي يوجبه الإنسان على نفسه ابتداءً شكرًا لله تعالى_ مندوبٌ، قالَ ابنُ رُشد: وهو مذهب مالك، وأمَّا المكرَّر_وهو ما إذا نذر صوم كلِّ خميسٍ أو كلِّ اثنين أو نحو ذلك_ فهو مكروه، قال في «المدوَّنة»: مخافة التَّفريط في الوفاء به... إلى آخر ما قال.
          ثمَّ قالَ الحافظُ: قالَ ابنُ المنيِّر: مناسبة أحاديث الباب للتَّرجمة في قوله: (يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ البَخِيلِ) وإنَّما يُخْرِجُ البَخِيل ما تعيَّن عليه إذ لو أَخْرَجَ ما يتبرَّع به(1) لكان جوادًا. قلت: ويحتمل أن يكون البخاريُّ أشار إلى تخصيص النَّذر المنهيِّ عنه بنذر المعاوضة واللَّجاج بدليل الآية، فإنَّ الثَّناء الَّذِي تضمَّنتْه محمول على نذر القُربة كما تقدَّم أوَّل الباب، فيجمع بين الآية والحديث بتخصيص كلٍّ منهما بصورة مِنْ صُوَر النَّذر، فكأنَّ البخاريَّ / رمز في التَّرجمة إلى الجمع بين الآية والحديث بذلك. انتهى ملتقطًا مِنَ «الفتح».


[1] قوله: ((به)) ليس في (المطبوع).