الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: إذا حلف أن لا يأتدم فأكل تمرا بخبز وما يكون من الأدم

          ░22▒ (باب: إذا حَلَف ألَّا يَأْتَدِم فَأَكَل تَمْرًا بخبز...) إلى آخره
          أي: هل يكون مؤتدمًا فيحنث أم لا؟ واختلفوا في مراد البخاريِّ هل هو موافق للحنفيَّة أو مخالف لهم؟ مال الحافظ إلى الثَّاني، والأوجَهُ عندي الأوَّلُ لذكره حديث أكلِه صلعم الخبز بالتَّمر ثمَّ حديث عائشة بنفي الائتدام.
          قالَ الحافظُ: قالَ ابنُ المنيِّر وغيره: مقصود البخاريِّ الرَّدُّ على مَنْ زعم أنَّه لا يقال: ائتدم إلَّا إذا أكل بما اصطُبغ به، قال: ومناسبته لحديث عائشة أنَّ المعلوم أنَّها أرادت نفي الإدام مطلقًا بقرينةِ ما هو معروفٌ مِنْ شظف عيشهم، فدخل فيه التَّمر وغيره.
          وقالَ الكَرْمانيُّ: وجه المناسبة أنَّ التَّمر لمَّا كان موجودًا عندهم، وهو غالب أقواتهم، وكانوا شباعًا منه عُلم أنَّ أكل الخبز به ليس ائتدامًا، قال: ويحتمل أن يكون ذكر هذا الحديث في هذا الباب لأدنى ملابسة، وهو لفظ المأدوم لكونه لم يجد شيئًا على شرطه.
          قالَ الحافظُ: والأوَّل مباين لمراد البخاريِّ، والثَّاني هو المراد، لكن بأن ينضمَّ إليه ما ذكره ابن المنيِّر. انتهى مِنَ «الفتح».
          وتعقَّب العلَّامةُ العينيُّ كلام الحافظ. والأوجَهُ عندَ هذا العبدِ الضَّعيفِ: الوجه الأوَّل، وما قالَ الحافظُ مِنْ أنَّه مباين لغرض الإمام البخاريِّ ليس بوجيه، فإنَّه لم يفصح بمراده، بل ذكر في التَّرجمة الشَّرط بغير جزاء، ولما ذكر في حديث عبد الله بن سلام أكله صلعم الخبز بالتَّمر، ونفت عائشة ╦ الأكل بالإدام، فالظَّاهر أنَّها لم تعدَّ التَّمر إدامًا لعدم العُرف بذلك.
          وتلخيص مذهب الحنفيَّة في ذلك ما في «الدُّرِّ المختار»: والإدام ما يَصطبغ به الخبزُ إذا اختلط به كخلٍّ وزيتٍ لا اللَّحم والبيض، وقال محمَّد: هو ما يؤكل مع الخبز غالبًا، فما يؤكل وحده غالبًا كتمر وزبيب وبطِّيخ وسائر الفواكه ليس إدامًا إلَّا في موضع يؤكل تبعًا للخبز غالبًا اعتبارًا للعُرف. انتهى.
          وبقول محمَّد: قالت الأئمَّة الثَّلاثة الشَّافعيُّ ومالكٌ وأحمدُ كما قالَ العينيُّ، كذا في «هامش اللَّامع».
          وقالَ الحافظُ: ومِنْ حجَّة الجمهور حديث عائشة في قصَّة بُرَيدة: ((فَدَعَا بالغَدَاء، فَأُتِيَ بخُبْزٍ وإدَام مِنْ أُدْم البيت...)) الحديث، وترجم له المصنِّف في الأطعمة (باب: الأدم) قالَ ابنُ القصَّار: وقال الكوفيُّون: الإدام اسم للجمع بين الشَّيئين، فدلَّ على أنَّ المراد أن يستهلك الخبز فيه بحيث يكون تابعًا له بأن تتداخل [أجزاؤه] في أجزائه، وهذا لا يحصل إلَّا بما يصطبغ به. انتهى.
          قالَ العينيُّ: فإن قلت: معنى ما يصبغ(1)به ما يختلط به الخبز، فكيف يختلط الخبز بالملح؟ قلت: يذوب في الفم فيحصل الاختلاط. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((يصطبغ)).