الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: إذا حنث ناسيا في الأيمان

          ░15▒ (باب: إذا حَنِثَ نَاسِيًا فِي الأَيْمَان...) إلى آخره
          المسألة الَّتي أشار إليها الإمام البخاريُّ خلافيَّة، قالَ ابنُ رُشد في «البداية»: إنَّ مالكًا يرى السَّاهي والمكرَه بمنزلة العامد، والشَّافعيُّ يرى ألَّا حنث على السَّاهي ولا [على] المكره. انتهى.
          وقالَ الموفَّقُ: مَنْ حلف ألَّا يفعل شيئًا ففعله ناسيًا فلا كفَّارة عليه، نقله عن أحمد الجماعة إلَّا في الطلاق والعتاق، فإنَّه يحنث، هذا ظاهر المذهب، وعن أحمد رواية أخرى أنَّه [لا] يحنث في الطَّلاق والعتاق أيضًا، وهو ظاهر مذهب الشَّافعيِّ، وعن أحمد رواية أخرى أنه يحنث في الجميع، وتلزمه الكفَّارة في اليمين المكفَّرة، وهو قول ربيعة ومالك وأصحاب الرَّأي، والقول الثَّاني للشَّافعيِّ. انتهى.
          قلت: وما ذكر الموفَّق مِنْ مذهب الحنفيَّة، هو كذلك كما في «الدُّرِّ المختار» إذ قال: وفيه_أي اليمين المنعقدة_ الكفَّارةُ ولو مكرهًا أو ناسيًا. انتهى.
          وأمَّا غرض المصنِّف بالتَّرجمة ومطابقة الأحاديث بها فقالَ الكَرْمانيُّ تحت حديث ابنِ عبَّاسٍ: فإن قلت: ما وجه مناسبة الحديث للتَّرجمة إذ ليس فيه ذكر اليمين؟ قلت: غرضه مِنَ التَّرجمةِ بيان رفع القلم عن النَّاسي والمخطئ ونحوهما، وعدم المؤاخذة به، فهذا الحديث وما بعده مِنَ الأحاديث تناسبها بهذا الوجه. انتهى.
          قلت: اختلفوا في غرض الإمام البخاريِّ بهذه التَّرجمة، والأوجَهُ عندي ما قاله ابن المنيِّر: أنَّ(1) غرض البخاريِّ بالتَّرجمة جمع أدلة الفريقين كما تقدَّم نظيره في كتاب الشُّروط في قصَّة جمل جابر، فإنَّه ذكر فيه أحاديث الاشتراط والهبة، وحاول الحافظ أن غرض البخاريِّ تأييد مسلكه، وأَوَّل الرِّوايات إليه مع بُعد التَّأويل في بعضها.
          وبسطَ الشَّيخُ قُدِّس سَرُّه أيضًا الكلام على هذا الباب إذ قال: وجملة ما ساقه هاهنا مِنَ الرِّوايات لا يدلُّ شيء منها على نفي الكفَّارة، فإن أراد إثبات أنَّه لا كفَّارة في هذا الحنث فغير مُسَلَّم لعدم الثُّبوت، وإن أراد إثبات أنَّه لا معصية فيه فهو مسلَّم، وإثبات ذلك بالرِّوايات موجَّه... إلى آخر ما بسط في مطابقة الأحاديث بالتَّرجمة.


[1] في (المطبوع): ((إن)).