الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: إن حلف أن لا يشرب نبيذا فشرب طلاء أو سكرا أو عصيرا

          ░21▒ (باب: إنْ حَلَفَ ألَّا يَشْرَب نبيذًا...) إلى آخره
          بسط الكلام على شرح هذه التَّرجمة، وبيان الغرض منها مِنْ كلام الشُّرَّاح، ومِنْ تقارير الشَّيخ الكَنكَوهيِّ في «هامش اللَّامع» فارجع إليه لو شئت.
          قالَ الحافظُ: قال المهلَّب: الَّذِي عليه الجمهور أنَّ مَنْ حلف ألَّا يشرب النَّبيذ بعينه لا يحنث بشرب غيره، ومَنْ حلف لا يشرب نبيذًا لا يخشى مِنَ السُّكر به فإنَّه يحنث بكلِّ ما يشربه ممَّا يكون فيه المعنى المذكور، فإنَّ سائر الأشربة مِنَ الطَّبيخ والعصير تسمَّى نبيذًا لمشابهتها له في المعنى، فهو كمن حلف لا يشرب شرابًا وأطلق، فإنَّه يحنث بكلِّ ما يقع عليه اسم شراب.
          قالَ ابنُ بطَّالٍ: ومراد البخاريِّ ببعض النَّاس أبو حنيفة ومَنْ تبعه، فإنَّهم قالوا: إنَّ الطِّلاء والعصير ليسا بنبيذ لأنَّ النَّبيذ في الحقيقة ما نُبذ في الماء ونقع فيه، فأرادَ البخاريُّ الرَّدَّ عليهم، إلى آخر ما ذكر الحافظ مِنْ كلام ابن بطَّالٍ. ثمَّ قالَ: وزعم ابن المنيِّر في «الحاشية»(1): أنَّ الشَّارح(2) بمعزل عن مقصود البخاريِّ هنا، قال: وإنَّما أراد تصويب قول الحنفيَّة، ومِنَ ثَمَّ قالَ: لم يحنث، ولا يضرُّه قوله بعده: (في قول بعض النَّاس) فإنَّه لو أراد خلافه لترجم على أنَّه يحنث، وكيف يترجم على وفق مذهب ثمَّ يخالفه؟ انتهى.
          قالَ الحافظُ: والَّذِي فهمه ابن بطَّالٍ أوجَهُ وأقرب إلى مراد البخاريِّ. انتهى.
          قلت: ومذهب الحنفيَّة ما في «البدائع» كما في «هامش اللَّامع»: لو حلف لا يشرب نبيذًا فأيَّ نبيذ شرب حَنِثَ لعموم اللَّفظ، وإنْ [شرب] سُكَّرًا لا يحنث، لأنَّ السُّكَّر لا يُسمَّى نبيذًا إلَّا أنَّه(3) اسم لخمر التَّمر، وهو الَّذِي مِنْ ماء التَّمر إذا غلا أو اشتدَّ وقَذف بالزَّبَد أو لم يقذف على الاختلاف، وكذا لو شرب عصيرًا(4) لأنَّه لا يُسمَّى نبيذًا. انتهى.
          وأفادَ الشَّيخُ قُدِّس سِرُه في «اللَّامع»: وحاصل استدلال المؤلِّف أنَّ التَّفاوت بين الطِّلاء والسُّكَّر وبين النَّبيذ ليس أكثر مِنَ التَّفاوت بينه وبين النَّقيع، فلمَّا ورد في الرِّواية إطلاق لفظ النَّبيذ على النَّقيع فأولى أن يتناول لفظ السُّكَّر والطِّلاء، والله أعلم بمراد عباده. انتهى. /


[1] قوله ((في الحاشية)) ليس في (المطبوع).
[2] في (المطبوع): ((الشارع)).
[3] في (المطبوع): ((نبيذاً؛ لأنه)).
[4] في (المطبوع): ((فضيخاً)).