الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: لا تحلفوا بآبائكم

          ░4▒ (باب: لا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُم)
          ويستفاد بما ذكرت مِنْ نُقول الفقهاء في «الأوجز» أنَّ الحَلِف بالآباء والأمَّهات لا ينعقد يمينًا عند الأئمَّة الأربعة، وفيه: قالَ ابنُ قدامة: لا تنعقد اليمين بالحَلِف بمخلوق: كالكعبة، والأنبياء، وسائر المخلوقات، ولا تجب الكفَّارة بالحنث فيها، هذا ظاهر كلام الخَرقيِّ، وهو قول أكثر الفقهاء، وقال أصحابنا: الحَلِف برسول الله صلعم يمين موجبة للكفَّارة. انتهى.
          وجزم الدَّرْدِير المالكيُّ بأنَّه لا يَنْعَقِد بالنَّبيِّ، ولا بالكعبة، والرُّكن، والمقام، والعرش... إلى آخر / ما ذكر. وفي «البدائع»: لو حلف بشيء مِنْ ذلك [له] لا يكون يمينًا، لأنَّه حلف بغير الله تعالى(1). انتهى.
          قالَ الحافظُ: قالَ ابنُ عبد البرِّ: لا يجوز الحَلِف بغير الله بالإجماع، ومراده بنفي الجواز الكراهة أعمُّ مِنَ التَّحريم والتَّنزيه، والمسألة خلافيَّة قولان عند المالكيَّة، والمشهور عندهم الكراهة، والمشهور عند الحنابلة التَّحريم، وبه جزم الظَّاهريَّة، وهكذا الخلاف موجود عند الشَّافعيَّة مِنْ أجل قول الشَّافعيِّ: أَخْشَى أَنْ يكون الحَلِفُ بِغَيْر الله مَعْصِية، فأشار بالتَّرَدُّد، وجمهور أصحابه على أنَّه للتَّنزيهِ.
          ثمَّ قالَ الحافظُ: قال العلماء: السِّرُّ في النَّهي [عن الحَلِف بغير الله] أنَّ الحلف بالشَّيء يقتضي تَعْظِيمَه، والعَظَمَة في الحَقِيقَة إنَّما هي لله وحده. انتهى ملخَّصًا.
          ثمَّ [إنَّهم] استشكلوا مطابقة حديث زَهْدَم الحديث الرَّابع مِنْ أحاديث الباب بالتَّرجمة كما ذكر في هامش «النُّسخة الهنديَّة».
          وكذا بسط في «هامش اللَّامع»، وفيه: والأوجَهُ عندَ هذا العبدِ الضَّعيفِ: أنَّ الإمام البخاريَّ أشار بذكر الكفَّارة في حديث زَهْدَم وعَدَم ذِكْرها في حديث في الحَلِف بالآباء أنَّه لا تكون الكفَّارة في الحلف بالآباء، والمسألة إجماعيَّة كما تقدَّمت آنفًا، وقالَ السِّنْديُّ في «هامشه»: قيل في وجه مطابقة حديث أبي موسى للتَّرجمة أنَّه ╧ حلف بالله مَرَّتين، فعُلِم أنَّ الحَلِفَ بغير الله لا يحسن، قلت: والأحسن مِنْ ذلك أن يقال: إنَّ قوله صلعم: (لَاْ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ) [لا] يدلُّ على أنَّ يمينه كَانَتْ مُنْعَقِدة، واليمين بغيره تعالى لا تنعقد، فكأنَّ(2) يَمِينَه مُطْلَقًا بالله لا بِغَيْرِه تعالى. انتهى.


[1] بدائع الصنائع: ج3 / ص8
[2] في (المطبوع): ((فكان)).