الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم}

          ░9▒ (باب: قول الله: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} إلى آخره [الأنعام:109])
          أي: حلف المنافقون بالله، وهو جهد اليمين لأنَّهم بذلوا فيها مجهودهم، وجهد يمينه مستعارٌ مِنْ جهد نفسه إذا بلغ أقصى وسعها، وذلك إذا بالغ في اليمين، وعن ابنِ عبَّاسٍ ☻: مَنْ قال: بالله فقد جهد يمينه. انتهى مِنَ القَسْطَلَّانيِّ.
          وأمَّا الغرض مِنَ التَّرجمةِ فما ذكره الشَّيخ قُدِّس سِرُّه في «اللَّامع» إذ قال: يعني بذلك أنَّ القسم يمين أيضًا. انتهى.
          وقد ترجم الإمام أبو داود بقوله: باب: في القسم هل يكون يمينًا؟ وذكر فيه قصَّة الرُّؤيا مِنْ حديث ابنِ عبَّاسٍ الَّذِي علَّقه البخاريُّ هاهنا، وسيأتي مطوَّلًا في كتاب التَّعبير، والمسألة خلافيَّة،كما سيأتي.
          وقالَ الحافظُ: والغرض منه هنا قوله: (لا تُقْسِم) موضع قوله: (لا تَحْلِف) فأشار إلى الرَّدِّ على مَنْ قال: إنَّ مَنْ قال: أقسمتُ انعقدتْ يمينًا، ولأنَّه لو قال بدل أقسمتُ: حلفتُ لم تنعقد اتِّفاقًا إلَّا إن نوى اليمين أو قصد الإخبار بأنَّه سبق منه حَلِفٌ، وأيضًا فقد أمر صلعم بإبرار القسم، فلو كان أقسمت يمينًا لأبرَّ أبا بكر حين قالها، ومِنْ / ثمَّ أورد حديث البراء عَقِبَه.
          ثمَّ قالَ الحافظُ: قالَ ابنُ المنيِّر: مقصود البخاريِّ الرَّدُّ على مَنْ لم يجعل القَسم بصيغة: أقسمت يمينًا. انتهى.
          قلت: ما ذكره الحافظ هو مذهب الشَّافعيِّ، وما أشار إليه ابن المنيِّر هو مذهبنا الحنفيَّة، والعجب أنَّ الحديث مستدلُّ الفريقين كليهما، ففي «البذل»: قالَ الخطَّابيُّ: فيه مستدلٌّ لمن ذهب إلى أنَّ القَسم لا يكون يمينًا بمجرَّده حَتَّى يقول: (أقسمت بالله) وذلك أنَّ النَّبيَّ صلعم قد أمر بإبرار المقسم، فلو كان أقسمت يمينًا لأشبه أن يبرَّه، وإلى هذا ذهب مالكٌ والشَّافعيُّ، وقد يَستدلُّ به مَنْ يرى القسم يمينًا على وجه آخر، فيقول: لولا أنَّه يمين ما كان النَّبيُّ صلعم يقول: (لا تقسم) وإلى ذلك ذهب أبو حنيفة وأصحابه. انتهى.
          وقالَ الحافظُ: قالَ ابنُ المنذر: اختُلف فيمَنْ قال: أقسمت بالله أو أقسمت مجرَّدةً، فقال قوم: هي يمين وإن لم يقصد، وبه قال النَّخَعيُّ والثَّوريُّ والكوفيُّون، وقال الأكثرون: لا تكون يمينًا إلَّا أن ينويَ، وقالَ مالكٌ: أقسمت بالله يمينٌ، وأقسمت مجرَّدة لا تكون يمينًا إلَّا إن نوى، وقالَ الشَّافعيُّ: المجرَّدة لا تكون يمينًا أصلًا ولو نوى، وأقسمت بالله إن نوى تكون يمينًا، وقال إسحاق: لا تكون يمينًا أصلًا، وعن أحمد كالأوَّل، وعنه كالثَّاني. انتهى.