الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب جمع اللونين أو الطعامين بمرة

          ░47▒ (باب: جمعِ اللَّونَيْن أو الطَّعامين بمَرَّة)
          أي: في حالة واحدة، ولعلَّ البخاريَّ لمَّح إلى تضعيف حديث أنس: ((أنَّ النَّبيَّ صلعم أُتِيَ بإناء_أو بقعب_ فيه لبن وعسل، فقال: إدمانِ(1) في إناء لا آكلُه ولا أحرِّمُه)) أخرجَه الطَّبَرانيُّ، وفيه راوي(2) مجهول قاله الحافظ.
          وقال في شرح الحديث: ووقع في رواية الطَّبَرانيِّ كيفيَّة أكلِه لهما، فأخرج في «الأوسط» مِنْ حديث عبد الله بن جعفر قال: ((رأيت في يمين النَّبيِّ صلعم قثَّاءً وفي شماله رُطبًا، وهو يأكل مِنْ ذا مرَّةً ومِنْ ذا مرَّةً)) وفي سنده ضعف، وأخرج فيه وهو في «الطِّبِّ» لأبي نُعيم مِنْ حديث أنس: ((كان يأخذ الرُّطب بيمينه والبِطِّيخ بيساره فيأكل الرُّطب بالبِطِّيخ)) وأخرجَ النَّسائيُّ عن أنس: ((رأيت رسول الله صلعم يجمع بين الرُّطب والخِرْبِز)) وهو بكسر الخاء المعجمة وسكون الرَّاء / وكسر الموحَّدة بعدها زاي: نوع مِنَ البِطِّيخ الأصفر، وقد تكبُر القثَّاء فتصفرُّ مِنْ شدَّة الحرِّ فتصير كالخِرْبِز، كما شاهدتُه كذلك في الحجاز، وفي هذا تعقُّب على مَنْ زعم أنَّ المراد بالبِطِّيخ في الحديث الأخضرُ، واعتلَّ بأنَّ في الأصفر حرارة كما في الرُّطَب، وقد ورد التَّعليل بأنَّ أحدهما يطفئ حرارة الآخر، والجواب عن ذلك بأنَّ في الأصفر بالنِّسبة للرُّطب برودةً وإن كان فيه لحلاوته طرفُ حرارة، والله أعلم. انتهى مِنَ «الفتح».
          وكتبَ الشَّيخُ قُدِّس سرُّه في «الكوكب الدُّرِّيِّ»: البِطِّيخ هو المشهور فينا بخريزة(3) وأمَّا ما قال بعضهم في معناه إنَّه (التربز) فهو ليس بسديد، ومنشأ توهُّمه ما ورد في بعض الرِّوايات أنَّه كان يُميت بحرِّ الرُّطَب بَرْدَه، والجواب عنه أنَّ المراد بالحرِّ والبرد ثمَّة حرارةُ الحسِّ واللَّمس وبرودته، لا حرارة المزاج وبرودته، فإنَّ الحالي مِنَ الأشياء يحسُّ كأنَّه حارٌّ، ولا كذلك البِطِّيخ فإنَّه يتبرَّد بتركه مقطوعًا، وأمَّا ما أجاب بعضُهم بأنَّه كان نِيًّا غيرَ نضيج فيأبى عنه أنَّه لا يؤكل عادة. انتهى.
          وفي «هامشه»: مال القاري في «شرح الشَّمائل» إلى أنَّ المراد به الأخضر المشهور عندنا بتربوز، وقال: هو الأظهر، لأنَّه رطب بارد. انتهى. وإليه مال غير واحد مِنَ الشُّرَّاح، ومال الحافظ في «الفتح» إلى الأوَّل وتعقَّب الثَّانيَ وهو مختار الشَّيخ، وهو الأوجَهُ لموافقة أهل اللُّغة، فإنَّهم فسَّروه بالخِرْبِز. انتهى.
          وأمَّا حكم مسألة الباب فقالَ الحافظُ: قالَ النَّوويُّ: في حديث الباب جوازُ أكل الشَّيئين مِنَ الفاكهة وغيرها معًا، وجوازُ أكلِ طعامين معًا، ويُؤخَذ منه جواز التَّوسُّع في المطاعم، ولا خلاف بين العلماء في جواز ذلك، وما نُقل عن السَّلف مِنْ خلاف هذا محمول على الكراهة منعًا لاعتياد التَّوسُّع والتَّرفُّه لغير مصلحة دينيَّة. انتهى.


[1] في (المطبوع): ((أدمان)).
[2] في (المطبوع): ((راو)).
[3] في (المطبوع): ((بخربزه)).