الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الرجل يتكلف الطعام لإخوانه

          ░34▒ (باب: الرَّجُل يَتَكَلَّف الطَّعام لإِخْوَانِه)
          قالَ الكَرْمانيُّ: وجهُ التَّكلُّف مِنْ حديث الباب أنَّه حصر العدد بقوله: خامس خمسة، ولولا تكلُّفُه لما حصر، وسبق إلى نحو ذلك ابنُ التِّين، وزاد أنَّ التَّحديد ينافي البركة، ولذلك لمَّا لم يحدِّد أبو طلحة حصلت في طعامه البركة حَتَّى وسع العددَ الكثير. انتهى مِنَ «الفتح». هكذا قالَ العينيُّ وتبعه القَسْطَلَّانيُّ.
          واستَدلَّ / المصنِّف لهذه المسألة_أعني التَّكلُّف للضَّيف_ في كتاب الأدب بحديث أبي جُحَيفة في قصَّة سلمان وأبي الدَّرداء، وهو ظاهر في الدِّلالة على المسألة.
          وكتبَ الشَّيخُ قُدِّسَ سرُّه في «اللَّامع» تحت ترجمة الباب: ودلالة الرِّواية عليه مِنْ حيثُ إنَّه جعل في طعامهم اللَّحم وهو غاية [في] التَّكلُّف. انتهى.
          وما أفاده الشَّيخُ قُدِّس سرُّه أوجَهُ ممَّا قاله الشُّرَّاح، ولا يبعد أن يقال: إنَّ تكلُّفه يظهر مِنْ صنيعه إذ قال: اصنع لي طعامًا أدعو رسول الله صلعم، فإنَّه يشير إلى أنَّه أراد أطيب اللَّحم.
          وفي «التَّيسير»: بعد ذكر كلام الكَرْمانيِّ والعينيِّ: <<مي توان كفت كه أين مردور إذن ششم كس تكلف كرده اكرجه كفته أند طعام الواحد يكفي الاثنين ليكن خالي أز تكلف نيست>>(1). انتهى. فتأمَّلْ، فإنَّه بعيد في باب(2) الرَّأي، لأنَّه يدلُّ أنَّه إذن(3) السَّادس بالتَّكلُّف وهو ليس بتكلُّف في الطَّعام ثمَّ اعلم أنَّه لا بأس في التَّكلُّف للضُّيوف والإخوان لرواية الشَّيخين: ((مَنْ كان يؤمن بالله واليومِ الآخر فليكرمْ ضيفه...)) الحديث.
          وفي «الأوجز» في حديث أبي الهيثم إذ ذبح لرسول الله صلعم شاة: لا يدخل ذلك في التَّكلُّف المكروه، بل هو داخل في إكرام الضَّيف المأمور به.
          قالَ النَّوويُّ: قد كَره جماعةٌ مِنَ السَّلفِ التَّكلُّف للضَّيْف، وهو مَحْمُول على ما يشقُّ على صاحب البيت مشقَّة ظاهرة، لأنَّ ذلك يمنعه مِنَ الإخلاص وإكمال السُّرور بالضَّيف، وأمَّا فعلُ الأنصاريِّ فليس ممَّا يشقُّ عليه، بل لو ذَبح أغنامًا بل جِمالًا في ضيافة رسول الله صلعم وصاحبيه كان مسرورًا بذلك مغبوطًا فيه. انتهى مِنْ «هامش اللَّامع». وسيأتي في كتاب الأدب: (باب: صنْعِ الطَّعام والتَّكلُّف للضَّيْف) وسيأتي هناك الجواب عمَّا في التَّرجمتين مِنَ التَّكرار.


[1] في (المطبوع): ((والعيني: مي توا كَفت كه إين مرد در إذن ششم كس تكلف كرده أكَرجه كَفته أند ((طعام الواحد يكفي الإثنين)) ليكن خالي أز تكلف نيست)).
[2] في (المطبوع): ((بادئ)).
[3] في (المطبوع): ((أذن)).