الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على الراحلة

          ░23▒ (باب: الحجِّ عمَّن لا يستطيع الثُّبُوت على الرَّاحلة)
          خلافًا لمالك في ذلك، ولِمَنْ قال: لا يحجُّ أحد عن أحد مُطْلقًا كابن عمر، ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع على أنَّه لا يجوز أن يستنيب مَنْ يقْدر على الحجِّ بنفسه في الحجِّ الواجب، وأمَّا النَّفْل فيجوز عند أبي حنيفة خلافًا للشَّافعيِّ، وعن أحمد روايتان. انتهى مِنَ «الفتح».
          وقالَ العَينيُّ تحت حديث الباب: فيه جواز الحجِّ عن غيره إذا كان معضوبًا، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه والثَّوريُّ والشَّافعيُّ وأحمدُ وإسحاقُ، وقال مالك واللَّيث والحسن بن صالح: لا يحجُّ أحد عن أحد إلَّا عن ميِّت لم يحجَّ حجَّة الإسلام، وحاصل ما في مذهب مالك ثلاثة أقوال:
          مشهورها: لا يجوز.
          وثانيها: يجوز مِنَ الولد.
          ثالثها: يجوز إن أوصى به.
          وعن النَّخَعيِّ وبعض السَّلف: لا يصحُّ الحجُّ عن الميِّت(1) ولا عن غيره، وهي رواية عن مالك، وإن أوصى به(2). انتهى.
          وفي «الفيض»: وهذه مسألة أخرى، ويقال لها: مسألة المعضوب. انتهى.
          قال ابن رشد: أمَّا وجوبه باستطاعة النِّيابة مع العجز عن المباشرة فعند مالك وأبي حنيفة لا تلزم، وعند الشَّافعيِّ تلزم، فيلزم على مذهبه الَّذِي عنده مال بقَدْر أن يحجَّ به عنه غيره، إذا لم يقْدر هو ببدنه أن يحجَّ عنه غيره، وهي المسألة الَّتِي يعرفونها بالمعضوب، وهو الَّذِي لا يثبت على الرَّاحلة. انتهى.
          قال ابن الهُمام: وفي المشهور عن أبي حنيفة أنَّه لا يلزمهم _الأعمى والمقعد والمعضوب أي الضَّعيف على ما في «القاموس»_ الحجُّ.
          قال في «البحر»: وهذا عند أبي حنيفة في ظاهر الرِّواية، وهو رواية عنهما، وقال: في ظاهر روايتهما، وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة أنَّه يجب على هؤلاء إذا ملكوا الزَّاد والرَّاحلة ومؤنة مَنْ يرفعهم ويضعهم، والخلاف المذكور فيمن وجد الاستطاعة وهو معذور، أمَّا إن وجدها وهو صحيح ثمَّ طرأ عليه العذر فالاتِّفاق على الوجوب. انتهى مختصرًا.
          وقالَ الشَّيخ في «الكوكب»: قوله: (يا رسول الله! إنَّ أبي شيخ كبير...) إلى آخره، الظَّاهر أنَّ الحجَّ لم يكن وجب عليه، وإنَّما كان ذلك متمنَّاه وإن كان جائزًا أن يكون الحجُّ فُرض عليه ثمَّ ضعف. انتهى.
          قلت: ولعلَّك قد عرفت ممَّا سبق أنَّ هاهنا مسألتين:
          إحداهما: وجوب الحجِّ على مَنْ لا يستطيع الثُّبوت على الرَّاحلة، وهي الَّتِي يقال لها: مسألة المعضوب.
          والثَّانية: النِّيابة عن المعضوب، ذكر الشُّرَّاح هاتين المسألتين في بيان ما يُستفاد مِنَ الحديثِ، ولفظ التَّرجمة نصٌّ في أنَّ المراد هاهنا الثَّانيةُ.


[1] في (المطبوع): ((ميت)).
[2] عمدة القاري:9/126