الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الحج والنذور عن الميت والرجل يحج عن المرأة

          ░22▒ (باب: الحجِّ والنُّذور عن الميِّت، والرَّجلِ يحجُّ عن المرأة)
          قالَ العلَّامةُ العَينيُّ: أي: هذا باب في بيان حُكم النَّذر عن الميِّت، وقوله: (والرَّجلِ) _بالجرِّ_ عطف على المجرور فيما قبله، أي: في بيان حكم الرَّجل يحجُّ عن المرأة، فالتَّرجمة مشتملة على حكمين. انتهى.
          وكتبَ الشَّيخ في «اللَّامع»: تضمَّنت التَّرجمة ثلاثة أجزاء: جواز الحجِّ عن الغير، وثبوته عن الرِّواية ظاهر، ويقاس عليه سائر النُّذور لأنَّه كان نذرًا عليها، فلمَّا جاز قضاء نذر الحجِّ عنها جاز غير الحجِّ مِنَ النُّذور، وأمَّا حجُّ الرَّجل عن المرأة فجوازه ثابت بالطَّريق الأَولى لأنَّ حِجَّة الرَّجل أفضلُ مِنْ حِجَّة المرأة لأنَّ في الأُولى زيادة المناسك بنسبة الثَّانية، فلمَّا أجْزَت حِجَّة المرأة عنه كما ذكر في الرِّواية يكون حَجُّه أَولى بالجواز. انتهى.
          قال القَسْطَلَّانيُّ: وكان ينبغي أن يقول: والمرأة تحجُّ عن المرأة ليطابق حديث الباب، وأجاب الزَّرْكَشيُّ بأنَّه استنبط ذلك مِنْ قوله: (اقْضُوا اللَّه) فإنَّه خاطبها بخطاب دخل فيه الرِّجال والنِّساء، فللرَّجل أن يحجَّ عن المرأة ولها أن تحجَّ عنه، وأمَّا قول الحافظ ابن حَجَر في قوله: (والرَّجل يحجُّ عن المرأة) نظر لأنَّ لفظ الحديث أنَّ المرأة(1) سألت عن نذر كان على أبيها فكان حقُّ التَّرجمة أن يقول: والمرأة تحجُّ عن الرَّجل، ثمَّ قال: والَّذي يظهر لي أنَّ البخاريَّ أشار بالتَّرجمة إلى رواية شعبة عن أبي بشر في هذا الحديث، فإنَّه قال فيه: ((أتى رَجُلٌ النَّبيَّ صلعم، فقال: إنَّ أختي نذرت أن تحجَّ)) ...الحديث، وفيه: ((فاقْض اللَّهَ فهو أَحَقُّ بِالْقضاءِ)) فلا يخفى ما فيه، فإنَّ حديث الباب إنَّما هو أنَّ امرأة مِنْ جُهينة(2) قالت: ((إنَّ أمي)) وكيف يقال بالمطابقة بين ترجمة وحديث مذكور في باب آخر، والأصل أنَّ المطابقة إنَّما تكون بين التَّرجمة وحديث الباب، فليتأمَّلْ. انتهى.
          قلت: إيراد القَسْطَلَّانِيِّ صحيح لا شكَّ فيه، ولكنَّ قوله: إنَّ المطابقة إنَّما تكون... إلى آخره تبع في ذلك العلَّامةَ العينيَّ وهو غير مسلَّم، بل هو أصل مطَّرد مِنْ أصول التَّراجم، والعلَّامة العينيُّ تارة يأخذ بهذا الأصل، ومَرَّة يردُّه أشدَّ الرَّدِّ، كما بسط ذلك في الأصل(3) الحادي عشر مِنْ أصول التَّراجم.
          ثمَّ الظَّاهر عندي أنَّ التَّرجمة مشتملة على جزأين:
          الأوَّل: الحجُّ المنذور عن الميِّت.
          قالَ العَينيُّ: ومطابقة الحديث للتَّرجمة في قولها: (إنَّ أمِّي نذرت...) إلى آخره، وفيه حجٌّ عن نذر الميِّت، وهو مطابق للجزء الأوَّل مِنَ التَّرجمة. انتهى.
          قلت: والمسألة خلافيَّة.
          قالَ الموفَّق: متى تُوفِّي مَنْ وجب عليه الحجُّ ولم يحجَّ وجب أن يُخرَج [عنه] مِنْ جميع ماله ما يُحَجُّ به ويُعتَمر، سواء مات عن تفريط أو بلا تفريط، وبه قال الشَّافعيُّ. وقال أبو حنيفة ومالك: يسقط بالموت، فإن وصَّى بها فهو مِنَ الثُّلث، ويُستناب مِنْ بلده، أو مِنَ الموضع الَّذِي أيسر فيه، وبه قال الحسن وإسحاق ومالك في النذر، وقالَ الشَّافعيُّ فيمن عليه حجَّة الإسلام: يستأجر مَنْ يحجُّ عنه مِنَ الميقات لأنَّ الإحرام لا يجب مِنْ دونه، ولنا أنَّ الحجَّ واجب على الميِّت مِنْ بلده، فوجب أن ينوب عنه منه لأنَّ القضاء يكون على وَفْق الأداء، وكذلك الحكم في حجِّ النَّذر والقضاء. انتهى.
          والجزء الثَّاني: جواز حجِّ الرَّجل عن المرأة، وثبوته عن الرِّواية بالطَّريق الأَولى كما تقدَّم في كلام الشَّيخ مفصَّلًا، والمسألة إجماعيَّة.
          قالَ الموفَّق: ويجوز أن ينوب الرَّجل عن المرأة، والمرأةُ عن الرَّجل، لا نعلم فيه مخالفًا إلَّا الحسنَ بن صالح، فإنَّه كره حجَّ المرأة عن الرَّجل. انتهى.
          ثمَّ لا يذهب عليك أنَّه ذكر في «الأوجز» في مسألة الحجِّ عن الغير عشرةَ / أبحاثٍ مفيدة فقهيَّة، فارجع إليه.


[1] في (المطبوع): ((امرأة)).
[2] في (المطبوع): ((جهنية)).
[3] في (المطبوع): ((أصل)).