الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: إذا لم يجد الإزار فليلبس السراويل

          ░16▒ (باب: إذا لم يجد الإزار فليَلْبَس السَّراويل)
          مِنْ غير أن يفْتِقه، وهذا مذهب الشَّافعيَّة وأحمد، وقال الحنفيَّة: إن لَبِسَه ولم يفتقْه يجب عليه دم لأنَّ لُبس المخيط مِنْ محظورات الإحرام، والعذر لا يسقط حرمته، فيجب عليه الجزاء كما وجب في الحلق لدفع الأذى، وقال المالكيَّة: ومَنْ لم يجد إزارًا فلَبس سراويل فعليه الفدية، وكأنَّ حديث ابن عبَّاس هذا لم يبلغ مالكًا، كما في «الموطَّأ». انتهى مِنَ القَسْطَلَّانيِّ.
          واعلم أنَّ سياق الحديث في مسألتي الإزار والخفَّين واحد، وهو قوله صلعم: (مَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ، وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ(1)) وقد غاير الإمام البخاريُّ في سياق التَّرجمتين كما ترى.
          قال الحافظ: أورد فيه حديث ابن عبَّاس المذكور في الباب السَّابق، وجزم المصنِّف بالحكم في هذه المسألة دون / الَّتي قبلها لقوَّة دليلها، وتصريح المخالف بأنَّ الحديث لم يبلغه، فيتعيَّن على مَنْ بلغه العملُ به. انتهى.
          قلت: أشار الحافظ بقوله: تصريح المخالف إلى [آخر(2)] [إلى] ما في «الموطَّأ»: قال يحيى: سئل مالك عمَّا ذكر عن النَّبيِّ صلعم أنَّه قال: ((مَنْ لَمْ يَجِدْ إِزَارًا فَلْيَلْبَسْ السَرَاوِيلَ)) فقال: لم أسمع بهذا، ولا أرى أن يلبس المحْرم السَّراويل لأنَّ رسول الله صلعم نهى عن لبس السَّراويلات فيما نهى عنه مِنْ لبس الثِّياب الَّتِي لا ينبغي للمحْرم أن يلبسها، ولم يستثن فيها كما استثنى في الخفَّين. انتهى.
          قلت: وما أفاده الحافظ قُدِّس سرُّه مِنْ قوَّة دليل المسألة الثَّانية لم أتحصَّله، فإنَّ سياق الحديثين في المسألتين واحد، ولو سُلِّم فدليل الأُولى أقوى لاتَّفاق الأئمَّة على قَبُولها بخلاف الثَّانية، إذ قال الإمام مالك: إنَّ الحديث لم يبلغه، بل الأوجه عند هذا العبد الضَّعيف أنَّ لُبْسَ الخفَّين لمن لم يجد النَّعلين لمَّا لم يكن واجبًا لم يجزم باللُّبس لأنَّ مَنْ لم يجد النَّعلين يباح له أن يمشي حافيًا، وأمَّا مَنْ لم يجد الإزار فيجب عليه أن يلبس شيئًا لحرمة الكشف، فجزم بالحكم بقوله: ((فَلْيَلْبَسْ السَّرَاوِيلَ)) وهذا هو السِّرُّ في تغاير التَّرجمتين، والله أعلم.


[1] في (المطبوع): ((السراويل)).
[2] في (المطبوع): ((آخره)).