التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: قال الله: يسب بنو آدم الدهر وأنا الدهر

          6181- قوله: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّه يحيى بن عبد الله بن بُكَيْر، وأنَّ (بُكَيْرًا) بضَمِّ المُوَحَّدة، وفتح الكاف، و(اللَّيْثُ): هو ابن سعدٍ، أحدُ الأعلام والأجوادِ، و(يُونُسُ): هو ابن يزيدَ الأيليُّ، و(ابْنُ شِهَابٍ): مُحَمَّد بن مسلم الزُّهْرِيُّ، و(أَبُو سَلَمَةَ): عبد الله _وقيل: إسماعيل_ ابن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيُّ، أحدُ الفقهاء السبعة على قول الأكثر، و(أَبُو هُرَيْرَةَ): عبد الرَّحْمَن بن صخرٍ، على الأصَحِّ مِن نحو ثلاثين قولًا.
          قوله: (وَأَنَا الدَّهْرُ): تَقَدَّمَ أنَّه بالرفع، هذا هو الصواب المعروفُ الذي قاله الشَّافِعيُّ وأبو عُبيد(1) وجماهيرُ المتقدِّمين والمُتَأخِّرين، وقال أبو بكر مُحَمَّد بن داود بن عليِّ بن خلف الأصبهانيُّ الظاهريُّ: (إنَّما هو «الدهرَ»؛ بالنصب على الظرف؛ أي: أنا مدَّةَ الدهر أقلبُ ليلَه ونهارَه)، وحكى ابن عَبْدِ البَرِّ هذه الروايةَ عن بعض أهل العلم، وقال النَّحَّاس: (يجوز النصبُ؛ أي: فإنَّ الله باقٍ مقيمٌ أبدًا لا يزول)، قال القاضي عياض: (هو مَنْصُوبٌ على التخصيص، قال: والظرف أصحُّ وأصوبُ)، وأمَّا رواية الرفع _وهي الصواب_؛ فموافقةٌ لقوله: «فإنَّ الله هو الدهر»، قال العلماء: (وهو مجازٌ)، وسببه: أنَّ العرب كان شأنها أن تسبَّ الدهر عند النوازل والحوادث والمصائب النازلةِ بها؛ مِن موت، أو هَرَم، أو تلف مال، أو غيرِ ذلك، فيقولون: يا خبيثة الدهر، ونحوها مِن ألفاظ سبِّ الدهر، فقال ◙: «لا تسبُّوا الدهرَ، فإنَّ الله هو الدهر»؛ أي: لا تسبُّوا فاعل النوازل، فإنَّكم إذا سببتم فاعلها؛ وقع السبُّ على الله تعالى؛ لأنَّه فاعلها ومنزلها، وأمَّا الدهر الذي هو الزمان؛ فلا فعل له، بل هو مخلوقٌ مِن جملة المخلوقات، ومعنى: «فإنَّ الله هو الدهر»؛ أي: فاعل النوازل والحوادث والكائنات، والله أعلم، وفي «المطالع» لمَّا فرغ مِنَ الكلام على الدهر المذكور في الحديث؛ قال: (وأمَّا في الرواية الأُخرى: «فإنِّي أنا الدَّهْر»، ورُوِيَ بالرفع والنصب(2)، وهو أكثر(3) على الظرف، وقيل: على الاختصاص، وأمَّا الرفع؛ فعلى التأويل الآخر، وذهب بعضُ مَن تكلَّم بالعلم ممَّن(4) لا تحقيق عنده إلى أنَّه اسمٌ مِن أسماء الله تعالى، ولا يصحُّ)، انتهى، وقد تَقَدَّمَ بأقلَّ مِن هذا، وكلامُ ابن الجوزيِّ فيه [خ¦4826]، والله أعلم.


[1] «غريب الحديث» ░2/145 _ 147▒، وفي (أ): (عبيدة)، والمثبت من «إكمال المُعْلِم» ░7/183▒، «المنهاج شرح مسلم» ░15/6▒.
[2] في (أ): (بالنصب والرفع)، والمثبت من مصدره.
[3] في هامش (أ): (لعله سقط: «والنصب»)، وعبارة «مشارق الأنوار» ░1/523▒: (فروي بالرفع والنصب، واختيار الأكثر النصب على الظرف، وقيل على الاختصاص).
[4] في (أ): (من)، والمثبت موافق لما في مصدره.