التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث أبي هريرة: لأن يمتلئ جوف رجل قيحًا يريه خير

          6155- قوله: (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ): هو عمر بن حفص بن غِيَاث، وقد تَقَدَّمَ ضبط (غِيَاث) [خ¦259]، و(الأَعْمَشُ): تَقَدَّمَ أنَّه سليمان بن مِهْرَان، و(أَبُو صَالِحٍ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّه ذكوان السَّمَّان الزَّيَّات.
          قوله: (قَيْحًا يَرِيهِ): هو بفتح المُثَنَّاة تحت، ثُمَّ راء مكسورة، ثُمَّ مُثَنَّاة مثل الأولى ساكنة، ثُمَّ هاء الضمير، وفي نسخة في هامش أصلنا: (حتَّى يَرِيَهُ)، وهذه النسخة منسوبةٌ للدِّمْياطيِّ، قال ابن قُرقُول: (قال أبو عُبيدٍ: «مِنَ الوَرْيِ؛ وهو أن يَدْوَى جوفُه»، قال الخليل: «هو قيحٌ يَأكل جوفَ الإنسان»)، انتهى، وفي «النهاية»: (مِنَ الوَرْيِ: الداءُ، يقال: وَرِيَ يَوْرَى، فهو مَوْرِيٌّ؛ إذا أصاب جوفَه الداءُ، قال الأزهريُّ: «الوَرْيُ _ مثال الرَّمْيِ_: داءٌ يدخل الجوفَ، يُقال: رجلٌ مَوْرِيٌّ؛ غير مهموز»، وقال الفرَّاء: «هو الوَرَى؛ بفتح الراء»، قال ثعلب: «هو بالسكون المصدرُ، وبالفتح الاسم»، وقال الجوهريُّ: «وَرَى القيحُ جوفَه يَرِيْه وَرْيًا: أكله»، وقال قومٌ: «معناه: حتَّى يُصيبَ رئته»، وأنكره غيرُهم؛ لأنَّ الرِّئةَ مهموزةٌ، وإذا بنيْتَ منها فعلًا؛ قلتَ: رآه يَراؤه، فهو مرئيٌّ، وقال الأزهريُّ: «إنَّ الرِّئة أصلها مِن وَرَى، وهي محذوفة منه، تقول: وَرَيتُ الرجلَ، / فهو مَوْرِيٌّ؛ إذا أصبتَ رئته»، والمشهور في الرئة الهمزُ)، انتهى، وعن ابن الجوزيِّ: («حتَّى يَرِيَهُ»، وههنا بإسقاط «حتَّى»؛ يعني: فتكون «يريْه» ساكنةَ الياء، قال: فنرى جماعةً مِنَ المبتدئين ينصبون «يريه»؛ جريًا على العادة في قراءة الحديث الذي فيه «حتَّى»، وليس ههنا ما ينصبُ، سمعتُه مِنِ ابن الخشَّاب)، انتهى، وقد سمعتُ أنا بعضَ فضلاء بلدنا نصبَه في المذاكرة، لا في القراءة على الناس، وقال بعضُهم: (رواية الأصيليِّ بالنصب)؛ يعني: مِن غير (حتَّى)، قال: (على بدل الفعل مِنَ الفعل)؛ يعني: بدل من (يمتلئ) المنصوب، انتهى، وإنَّما يُبدَل الفعلُ مِنَ الفعل إذا كان بمعناه، و(يمتلئ) ليس بمعنى: (يريه)، والله أعلم؛ فيُحرَّر ذلك؛ هل هو بمعناه أم لا؟
          تنبيهٌ: قال لنا شيخُنا الحافظ نورُ الدين الهيثميُّ تلميذُ شيخِنا الحافظ العِرَاقيِّ وخادمُه: («لَأَن يمتلئ جوف أحدكم قَيْحًا خيرٌ له مِن أنْ يمتلئَ شِعرًا هُجِيتُ به»، في «مسند أبي يعلى المَوْصليِّ» مِن رواية مُحَمَّد بن المنكدر عن جابر)، انتهى، وقد رأيتُ الحديثَ في «مسند أبي يعلى المَوْصليِّ» كما ذكره الحافظ نورُ الدين، وقد رواه عَنِ الجرَّاح بن مليح: حدَّثنا أحمد بن سليمان الخراسانيُّ: حدَّثنا أحمد بن مُحْرِز الأزديُّ عن مُحَمَّد بن المنكدر، عن جابر ☺ قال: قال رسول الله صلعم...؛ فذكره، وفي سند هذا الحديث: أحمدُ بن محرز الأزديُّ، وصوابه: النَّضْر بن مُحْرِز الأزديُّ، والنَّضْر مجهولٌ، وقال ابن حِبَّانَ: (لا يُحتَجُّ به)، وقال ابن عَدِيٍّ وساق له حديثَين ثلاثة: (هذه الأحاديث غيرُ محفوظة)، منها الحديث المذكورُ في الأصل الذي ذكرتُه مِن عند أبي يعلى، ثُمَّ إنِّي رأيتُ الحديثَ المشارَ إليه في «موضوعات الحافظ أبي الفرج ابن الجوزيِّ» بالسند المذكور، ثُمَّ عقَّبه ابن الجوزيِّ بأنَّه: (موضوعٌ، والنَّضْر لا يُتابَع على هذا الحديث، ولا يُعرَف إلَّا به، قال ابن حِبَّانَ: «لا يجوز الاحتجاج بالنَّضْر»، وإنَّما يُعرَف هذا الحديثُ بالكلبيِّ عن أبي صالح، وليسا بشيء)، انتهى.
          وقال السُّهَيليُّ في (غزوة وَدَّان) في «روضه»: (قال ◙: «لَأَن يمتلئَ جوفُ أحدِكم قَيْحًا خيرٌ له مِن أنْ يمتلئَ شِعرًا»، تأوَّلته(1) عائشة ♦ في الأشعار التي هُجِيَ بها رسول الله صلعم، وأنكرت قولَ مَن حملَه على العموم في جميع الشِّعر... إلى آخر كلامه)، انتهى، وقال شيخُنا: (وفسَّر الشَّعْبيُّ هذا الحديثَ بالشِّعر الذي هُجِيَ به النَّبيُّ صلعم، ووهَّاه أبو عُبيدٍ والداوديُّ؛ لأنَّ شطرَ بيت مِن ذلك كفرٌ، والراوي أحدُ الشاتمَين، قال أبو عُبيدٍ: «والذي عندي: أنَّه إذا غلب عليه، وصدَّه عَنِ الذِّكر والقرآن»، كما بوَّب عليه البُخاريُّ)، انتهى.


[1] في (أ): (تأويلته)، والمثبت من مصدره.