التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: إن أشبه الناس دلا وسمتًا وهديًا برسول الله

          6097- قوله: (حَدَّثَنَا(1) إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ): الظاهر أنَّه ابن راهويه، أحد الأعلام، وانظر «الكمال» و«التذهيب»، فإنَّهما لم يذكرا أحدًا اسمه إسحاق بن إبراهيم عن حَمَّاد بن أسامة إلَّا ابنَ راهويه، و(أَبُو أُسَامَةَ): هو حَمَّاد بن أسامة، و(الأَعْمَشُ): سليمان بن مِهْرَان، تَقَدَّمَ، و(شَقِيْقٌ): هو ابن سلمة، أبو وائلٍ، و(حُذَيْفَةُ): هو ابن اليماني حُسيلٍ، ويُقال: حِسْل، وحِسْلٌ صَحَابيٌّ، ☻، وهذا ظاهِرٌ.
          قوله: (دَلًّا): هو بفتح الدال المُهْمَلة، وتشديد اللام، حُسْنُ السَّمْتِ والشمائلِ والحديثِ والحركةِ، قاله ابن قُرقُول، وفي «النهاية» لابن الأثير كما قال ابن قُرقُول، ولفظه: (وتكرَّر ذكرُ «الدَّلِّ» في الحديث؛ وهو والهَدْيُ والسَّمْتُ عبارةٌ عَنِ الحالة التي يكون عليها الإنسانُ مِنَ السَّكِينة والوَقَار، وحُسْنِ السِّيرة والطريقة، واستقامةِ المَنْظر والهيئة).
          قوله: (وَسَمْتًا): تَقَدَّمَ الكلام عليه أعلاه في كلام «النهاية» ضِمْنًا، ولفظُه فيه استقلالًا، نحوُ ما ذكرتُه عَنِ ابن قُرقُول، ولفظ ابن قُرقُول في قوله: (أقرب سَمْتًا): (هو حُسْنُ الهيئة والمَنْظر [في] الدِّين(2) والخير، لا في الجمال والملبس، والسَّمْتُ أيضًا: القصد والطريق والجهة، ومنه: سَمْتُ القِبلة، قال الخَطَّابيُّ: «وأصلُه الطَّريقُ المنقادُ»)، انتهى، وقد تَقَدَّمَ [خ¦3762].
          قوله: (وَهَدْيًا): (الهَدْيُ): تَقَدَّمَ الكلامُ عليه أعلاه؛ فانظره، وضبطه.
          قوله: (لَابْنُ أُمِّ عَبْدٍ): (ابنُ): مَرْفُوعٌ، واللام مفتوحةٌ للتأكيد، وهو عبد الله بن مسعود بن غافل الهُذَليُّ، وقد تَقَدَّمَ الكلام عليه ☺ [خ¦32]، و(أمُّ عبدٍ): بغير إضافةٍ، وهي أمُّ عبد الله بن مسعود، وهي بنت سُود بن قويم(3) بن صاهلة، مِنَ المهاجرات، ☺ وعنها.
          تنبيهٌ: قال شيخنا: (قال الداوديُّ: قال مالكٌ: أشبه الناس برسول الله صلعم في هَدْيِه عمرُ، وأشبه الناس بعمرَ عبدُ الله، وأشبهُ الناس بعبدِ الله سالمٌ)، انتهى، فهذا حذيفة صَحَابيٌّ ابن صَحَابيٍّ قد قال: (إنَّ أشبهَ الناس برسول الله صلعم ابنُ مسعود)، فقولُه مقدَّمٌ على قول مالكٍ؛ لأنَّه شاهدَ الثلاثةَ، ويحتمل أن يُجمَع بين كلامه وكلامِ مالكٍ، فيُقال: إنَّ كلامَ مالكٍ أنَّ عمرَ أشبهُ برسول الله صلعم في الهَدْيِ فقط، وابنَ مسعود في مجموع هذه الخصال المذكورةِ، أو يُقال: إنَّ كلام حذيفةَ بعد عمر؛ لأنَّ عمرَ تُوُفِّيَ سنة ░23هـ▒، وابن مسعود تُوُفِّيَ سنة ░32هـ▒، ثُمَّ صار ابنُ عمر أشبهَ الناس برسول الله صلعم بعد وفاة ابن مسعود في هذه الخِصال، وقد روى أحمدُ في «المسند» بإسنادٍ جيِّد عَن عمرَ ☺: (مَن سرَّه أن ينظر إلى هَدْيِ رسول الله صلعم؛ فلينظر إلى هَدْيِ عمرو بن الأسود) انتهى، وعمرو بن الأسود هذا: هو عمرو بن الأسود العَنْسيُّ، أدرك الجاهليَّةَ، وروى عَن عمرَ ☺، سكن داريَّا، ويقال له: عُمَير، وقد عُمِّر دهرًا طويلًا، وهذا الرَّجل روى له البُخاريُّ، ومسلمٌ، وأبو داود، والنَّسائيُّ، وابن ماجه، له ترجمة في «تهذيب الكمال» وفروعه، قال الذَّهَبيُّ في «تذهيبه»: (روى بقيَّة عن صفوان بن عمرو، عن عبد الرَّحْمَن بن جُبَيرٍ بن نُفَير قال: حجَّ عمرو بن الأسود، فلمَّا انتهى إلى المدينة؛ نظر إليه عبد الله بن عمر ☻ وهو قائمٌ يصلِّي، فسأل عنه، فقيل: رجلٌ مِن أهل الشام، فقال: ما رأيتُ أحدًا أشبهَ صلاةً، ولا هَدْيًا، ولا خُشوعًا، ولا لِبْسَةً برسول الله صلعم مِن هذا الرجل)، / وقد ذكر الذَّهَبيُّ أثرَ عمرَ الذي في «المُسنَد» في زيادته على المِزِّيِّ في ترجمة هذا الرجل، وبقيَّة: وَثَّقَهُ الجمهورُ بما روى عَنِ الثِّقات، وقال النَّسائيُّ: (إذا قال: «حدَّثنا» و«أخبرنا»؛ فهو ثقةٌ)، وعبدُ الرَّحْمَن بنُ جُبَيرٍ ثقةٌ، قال ابن سعد: (ثقةٌ، يَستنكِر بعضُهم حديثَه).
          وينبغي أن يُجمَع بين كلام حذيفة، وكلام عمر، وابنِه، ومالكٍ، فهذا عمرُ وابنُه يقولان في عَمرو بن الأسود ما قالا، وهذا حذيفةُ يقول في عبدِ الله بن مسعود ما قال، وهذا مالكٌ يقول في عمرَ ما قال، والله أعلم، وقد رُوِّينا في كتاب «رفع اليدين» للبُخاريِّ: (قال جابر بن عبد الله: «لم يكن أحدٌ منهم ألزمَ لطريق النَّبيِّ صلعم، ولا أتْبَعَ مِنِ ابنِ عمرَ ☻»)، وفي «أبي داود» و«التِّرْمِذيِّ» و«النَّسائيِّ» مِن حديث عائشة _وكذا في «المستدرك» للحاكم على شرطهما، قال الذَّهَبيُّ: (وأخرجاه بنحوه مِن حديث مسروق عَن عائشة ♦ [خ¦6286])_ قالت: (ما رأيتُ أحدًا كان أشبهَ سَمْتًا وهديًا ودلًّا برسول الله صلعم مِن فاطمة)، قال التِّرْمِذيُّ: (حسنٌ صحيحٌ غريبٌ مِن هذا الوجه)، وكلامُ الجماعةِ الذين تَقَدَّمَ قولُهم في الرجال، وعائشةَ في النساء، أو فيمَن رأته مِنَ النساء والرجال، والله أعلم.
          فتحصَّلنا على جماعةٍ يُشْبِهونه ◙ في هَدْيِه وطريقته؛ وهم: عبد الله بن مسعود، وعمر، وعبد الله بن عمر، وسالم، وعمرو بن الأسود، وفاطمة بنت رسول الله صلعم، ورضي عنها.
          قوله: (مِنْ حِينَِ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ): (حين): بالجرِّ، ويجوز أن تُفتَح.
          قوله: (لَا نَدْرِي مَا يَصْنَعُ): (نَدْرِي): بفتح النون، وكسر الراء، مَبْنيٌّ للفاعل.


[1] كذا في (أ) تبعًا لنسخة مصحَّحة في هامش (ق) و«اليونينيَّة»، وفي (ق): (حدَّثني)، وهي رواية أبي ذرٍّ.
[2] في (أ): (والدين)، والمثبت من كلام المصنِّف نفسه في الحديث ░3762▒، ومن مصدره.
[3] كذا في (أ)، وفي بعض المصادر: (قريم) بالراء، وتقدَّم ذلك عند الحديث ░3742▒.