التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا ادعت المرأة ابنًا

          ░30▒ بَابٌ إِذَا ادَّعَتِ الْمَرْأَةُ ابْنًا.
          6769- ذَكَرَ فِيْهِ حَدِيثَ أَبِي هُرَيرةَ ☺ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: (كَانَتِ امْرَأَتَانِ مَعَهُمَا ابْنَاهُمَا، جَاءَ الذِّئْبُ فَذَهَبَ بِابْنِ إِحْدَاهُمَا) الحَدِيثَ بِطُولِه، وفي آخِرِه: (فَقَضَى بِهِ لِلصُّغْرَى). قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَاللهِ إِنْ سَمِعْتُ بِالسِّكِّينِ قَطُّ إِلَّا يَوْمَئِذٍ، وَمَا كُنَّا نَقُولُ إِلَّا: الْمُدْيَةَ.
الشَّرح: أجمع العلماءُ أنَّ الأمَّ لا تَستلحِقُ أحدًا لأنَّها لو استلحقتْ أَلْحَقَتْ بالزَّوجِ ما يُنكِرُه، واللهُ تعالى يقولُ: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} [الأنعام:164] وإنَّما يمكنُ أنْ تُلحِقَ الولدَ بالزَّوجِ إذا قامتِ البَيِّنَةُ أنَّها وَلَدَتْهُ وهي زوجتُه في عِصمتِه فإنَّ الولدَ للفِراش.
          وفائدةُ هذا الحديثِ: أنَّ المرأةَ إذا قالت: هذا ابني ولم ينازِعْها فيه أحدٌ وَلم يُعرَفْ له أبٌ فإنَّه يكونُ وَلَدَها، تَرِثُه ويَرِثُها ويَرِثُه إخوتُه لِأُمِّه لأنَّ هذه / المرأةَ الَّتِي قَضَى لها بالولَدِ في هَذا الحديثِ إنَّما حَصَلَ لها ابنًا مع تسليمِ المنازِعَةِ لها فيه.
          وفيه مِن الفقه أنَّ مَن أَتَى مِن المتنازِعَيْنِ بما يُشبِهُ فالقولُ قولُه لأنَّ سُلَيمانَ ◙ جَعَلَ شفقتَها عَليه شُبهةً مع دعواها. وفيه أنَّه جائزٌ للعالِمِ مخالفةُ غيرِه مِن العلماءِ وإنْ كانوا أسنَّ منه وأفضلَ إذا رأى الحقَّ في خلافِ قولِهم، وَيشهدُ لهذا قولُه تعالى: {وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ}الآية [الأنبياء:78] فالله تعالى أثنى على سُلَيمانَ بِعلْمِه وَعَذَرَ داودَ باجتهادِه ولم يُخْلِهِ مِن العِلمِ، وَسيأتي في كتاب الاعتصامِ إيضاحُ اختلافِ العلماءِ في أنَّ المصيبَ واحدٌ أو أنَّ كلَّ مجتهدٍ مُصِيبٌ.
          فَرْعٌ: قال ابنُ القاسمِ في المرأةِ تَدَّعي اللَّقيطَ أنَّه ابنُها: لا يُقبَلُ قولُها وإنْ أتتْ بما يُشْبِهُ، وخالفه أشهَبُ فقال في «كتاب محمَّدٍ»: يُقبَلُ قولُها وَلو ادَّعتْه مِن زنا حتَّى يُعلَمَ أنَّها كاذبةٌ فِيهِ، قال محمَّدٌ: إنِ ادَّعتْهُ مِن زنا قُبِلَ قولُها وَحُدَّتْ، وإنِ ادَّعتْهُ مِن زوجٍ لَمْ يُقبَلْ قولُها فتلْحِقهُ به.
          فَصْلٌ: قولُ أَبِي هُرَيرةَ: (وَاللهِ...) إِلَى آخرِه، لا شكَّ في تأخُّرِ إسلامِه، وسورةُ يُوسُفَ مكيَّةٌ، ولعلَّه لَمْ يكن يحفظُها يومئذٍ وفيها ذِكْرُها، وَهي أيضًا معروفةٌ عند أهل اللُّغة تُذكَّرُ وتُؤنَّث، والغالبُ عليها التَّذكير.