التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ميراث البنات

          ░6▒ بَابُ مِيرَاثِ الْبَنَاتِ
          6733- ذَكَرَ فِيْهِ حَدِيْثَ سَعْدٍ ☺ السَّالِفَ: (لَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَتِي)، وفي آخِرِه: (قَالَ سُفْيَانُ: وَسَعْدُ بْنُ خَوْلَةَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ).
          6734- وحَدِيْثَ الأسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: أَتَانَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بِالْيَمَنِ مُعَلِّمًا وَأَمِيرًا، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ رَجُلٍ تُوُفِّي وَتَرَكَ ابْنَتَهُ وَأُخْتَهُ، فَأَعْطَى الابْنَةَ النِّصْفَ، وَالأخْتَ النِّصْفَ.
          الشَّرحُ: أَجمعَ العلماءُ عَلى أنَّ ميراثَ البِنتِ الواحدةِ / النِّصفُ لقولِه تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} [النساء:12] وَأجمعوا أَيضًا عَلَى أنَّ للأختِ النِّصفَ لقولِه تعالى: {فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء:12] فجعلها كَالابنةِ.
          فإنْ قلتَ: نصَّ اللهُ عَلى أَنَّ الأُختينِ لهما الثُّلُثانِ لقولِه: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} [النساء:12] وَلمْ ينصَّ عَلى الابنتين إنَّما ذَكَرَ أكثرَ مِن اثنتين. قيل: لَمَّا أعطى الله للابنةِ النِّصفَ وَللأختِ النِّصفَ، ونصَّ عَلى الأُختينِ أنَّ لهما الثُّلُثين فاستغنى بِذِكْرِ الأُختين عَن ذِكْرِ البنتينِ، لأنَّه لَمَّا كانت الواحدةُ كالبنت كانت البنتانِ كالأختينِ بل البنتان أَحرى بذلك لقربِهما مِن الميِّتِ، وأنَّ البناتِ يُقَدَّمْنَ عَلَى الأخواتِ فِي مواضعَ شتَّى، فاستحالَ أن تكونَ الأُختانِ أكثرَ ميراثًا مِن البنتينِ.
          وأمَّا قَوْلُ سعْدٍ ☺: (إنَّهُ لَا يَرِثُنِيْ إِلَّا ابْنَتِي) كأنَّه أَراد أَنْ يعطِيَ مِن مالِه مَا فَضَل عن ميراثِ ابنتِه، فَأعلمه ◙ أنَّه لا يجوز لمعطٍ أَنْ يعطِيَ مِن مالِه بعدَ موتِه أكثرَ مِن ثُلُثِهِ، كَانَ له مَن يُحيطُ بمالِه أمْ لا، وهَذِه حُجَّةٌ لزيدِ بنِ ثابتٍ فِي قَوْلِه: بيتُ المالِ عَصَبَةُ مَن لا عَصَبَةَ له، وَهو قولُ مالكٍ والشَّافعيِّ، وَهو خلافُ مذهبِ أَهْلِ الرَّدِّ.
          وأمَّا قَوْلُهُ ◙: (إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ) بَعدَ قولِ سَعْدٍ: (لَا يَرِثُنِيْ...) إِلَى آخرِه، فحوى قولِه أنَّ سَعْدًا لَا يموتُ حَتَّى يكونَ لَه ورثةٌ جماعةٌ، وأنَّه لَا يموتُ مِن علَّتِهِ تلك، وكان كما دلَّ عليه فَحْوى خطابِهِ، ولم يمُتْ سعْدٌ إِلَّا عن بنينَ عِدَّةٍ كلُّهم وُلِدَ بعدَ ذَلِكَ المرضِ، وهَذَا مِن أعلامِ نبوَّتِهِ.