التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ابني عم أحدهما أخ للأم والآخر زوج

          ░15▒ بَابٌ فِي ابْنَيْ عَمٍّ: أَحَدُهُمَا أَخٌ لِأُمٍّ، وَالآخَرُ زَوْجٌ.
          وَقَالَ عَلِيٌّ ☺: لِلزَّوْجِ النِّصْفُ، وَلِلأخِ مِنَ الأمِّ السُّدُسُ، وَمَا بَقِيَ فبَيْنَهُمَا نِصْفَانِ.
          6746- ثمَّ ذَكَرَ فيه حَدِيْثَ ابنِ عبَّاسٍ ☻ السَّالِفَ: (أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا تَرَكَتِ الْفَرَائِضُ، فَلأوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ) [خ¦6732] [خ¦6735] [خ¦6737].
          6745- وذَكَرَ قَبْلَهُ حَدِيْثَ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺: (أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَمَالُهُ لِمَوَالِي الْعَصَبَةِ، وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا أَوْ ضَيَاعًا فَأَنَا وَلِيُّهُ، فَلِأُدْعَى لَهُ).
          الشَّرح: أَثَرُ علِيٍّ ☺ أخرجه يزيدُ بنُ هَارُونَ عن حمَّادِ بن سَلَمةَ عَن أوسِ بنِ ثابتٍ عن حَكِيم بن عِقَالٍ قَالَ: أُتي شُرَيحٌ فِي امرأةٍ تَرَكَتِ ابْنَيْ عمِّها أحدُهما زوجُها، والآخَرُ أخوها لِأُمِّها، فأعطى الزَّوج النِّصْفَ، وأعطى الأخَ مِن الأمِّ مَا بقي، فبلغ ذَلِكَ عليَّ بنَ أبي طالبٍ فقال: ادعُ لي العبدَ الأَبْظَرَ، فدُعِيَ شُرَيحٌ فقال: مَا قضيتَ أبِكتابِ اللهِ أو بِسُنَّةٍ مِن رسولِ الله؟ فقال بكتابِ الله، قَالَ: أينَ؟ قَالَ: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ}الآية، قال عليٌّ: فهل قال للزَّوجِ النِّصفُ وَلهذا مَا بقي؟ ثمَّ أعطى الزَّوجَ النِّصْفَ والأخَ مِن الأُمِّ السُّدُسَ، ثمَّ قَسَم بينهما مَا بقِي.
          وأخبرَنا سُفْيانُ بن سَعِيدٍ عن أبي إسحاقَ عَن الحارثِ عن عليٍّ ☺ أنَّه أُتِيَ فِي ابْنَيْ عَمٍّ أحدُهما أخٌ لِأُمٍّ، فقيل له: إنَّ عَبْدَ الله كَانَ يعطِي الأخَ للأمِّ المالَ كلَّه، فقال: يرحَمُه الله إنْ كَانَ لَفَقِيهًا وَلو كنتُ أنا لأعطيتُ الأخَ مِن الأمِّ السُّدُسَ، ثمَّ قَسَمْتُ مَا بَقِيَ بينَهما.
          وأخبرنا محمَّدُ بنُ سالمٍ عن الشَّعبيِّ فِي امرأةٍ تركتْ ابْنَيْ عمٍّ أحدُهُما زوجُها والآخرُ أخوها لِأُمِّها: فِي قولِ عليٍّ وزيدٍ ☻: للزَّوجِ النِّصْفُ، وللأخِ مِن الأمِّ السُّدُسُ وَهما شريكانِ فيما بقي.
          وهذه المسألةُ اختلف العلماء فيها، فقال كقولِ عليٍّ زيدُ بنُ ثابتٍ، وَهو قولُ المدنيِّينَ وَالثَّوريِّ والأربعةِ وإسْحاقَ، وفيه قولٌ ثانٍ: أَنَّ جميعَ المال للَّذي جَمَعَ القَرابتين، قاله عُمَرُ وابنُ مسعودٍ، قالا فِي ابْنَيْ عمٍّ أحدُهما أخٌ لِأمٍّ: الأخ للأمِّ أحقُّ، لَه السُّدُسُ فرضًا وباقي المالِ تعصيبًا، وهو قول الحسنِ البَصْرِيِّ وشُرَيحٍ وعَطَاءٍ والنَّخَعيِّ وابنِ سِيرينَ، وإليه ذهبَ أبو ثورٍ وأهلُ الظَّاهر، ووقع لأشهبَ فِي «كتابِ ابنِ حبيبٍ»: ابنُ العمِّ إِذَا كَانَ أخًا لأمٍّ يَرِث موالي أخيه لِأُمِّه دون بَنِي عمِّه وإخوتِه لأبيه.
          واحتجُّوا فِي الإجماع في أخوينِ شقيقٍ ولأبٍ أنَّ المالَ للأوَّلِ لأنَّه أقَربُ بِأُمٍّ فكذلك ابنا عمٍّ إذا كان أحدُهما أخًا لأمٍّ، فالمال له قياسًا على مَا أجمعوا عليه مِن الأخَوين. واحتجَّ الأوَّل بأنَّ أحدَهما منفردٌ بكونِه أخًا لأمٍّ فوجبَ أَنْ يأخُذَ نصيبَه ثُمَّ يُساوَى بينَه وبين مَن يشارِكُه فِي قرابتِه ويساويه فِي درجتِه.
          وإِلَى هذا ذهب البُخَاريُّ واستدلَّ عليه بقولِه ◙: (فَمَالُهُ لِمَوَالِي العَصَبَةِ) وهم بنو العمِّ، وَكذلك قال أَهْلُ التَّأويلِ فِي قولِه تَعَالَى:{وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي} [مريم:5] أنَّهم بنو العمِّ؛ فسوَّى بينهم فِي الميراث وَلم يَجْعَلْ بعضَهم أَوْلى مِن بعضٍ، وَكذلك قَوْلِه: (أَلْحِقُوا الفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا) أَي أعطُوا الزَّوجَ فريضتَه، وَلَمَّا لم يكنِ الزَّوجُ أَوْلى مِن ابنِ عمِّه الَّذِي هُوَ أخٌ لِأمٍّ، إذْ هُوَ في قُعْدُدِهِ اقْتَسَمَا مَا بقي لأنَّه ليس بأَوْلى منه فينفردُ بالمال، فإنِ احتجُّوا بقولِه: (فَمَا أَبْقَتْ...) إِلَى آخرِه، فهو دليلُنا والباقي بعدَ السُّدُسِ قَد استوى / بعَصَبَتِهما فِيْهِ إذْ وُجِدَ فِي كلِّ واحدٍ منهما الذُّكورةُ والتَّعصيبُ، وقد أجمعوا فِي ثلاثةِ إخوةٍ لأمٍّ أحدُهم ابنُ عمٍّ أَنَّ للثَّلاثةِ إخوةٍ الثُّلُثُ، والباقي لابنِ العمِّ، ومعلومٌ أَنَّ ابنَ العمِّ قد اجتمعت فِيْهِ القرابتان.
          فَصْلٌ: قَوْلُهُ: (فَلِأُدْعَ لَه) إعرابُها _كما نبَّه عليه ابنُ بطَّالٍ_ فَلْأُدْعَ له؛ لأنَّها لامُ الأمْرِ، والأغلبُ مِن أمْرِها إذا اتَّصل بها واوٌ أو فاءٌ الإسكانُ، ويجوز كسْرُها وَهو الأصلُ في لامِ الأمْرِ أن تكونَ مكسورةً كقولِه تعالى: {وَلِيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلِيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29] قُرِئ بكسْرِ اللَّامِ وإسكانِها. وثباتُ الألِفِ بعد العين في موضعِ الجزْمِ والوَقْفِ يجوزُ تشبيهًا لها بالياءِ والواو أو أحدِهما كما قال:
أَلَمْ يَأْتِيكَ والأَنْبَاءُ تَنْمِي
          وكما قال الآخَرُ:
لَمْ يَهْجُو وَلَمْ يَدَعِ
          وقال في الألِفِ:
إِذَا العَجُوزُ غَضِبَتْ فَطلِّقِ                     وَلَا تَرَضَّاها وَلَا تَملَّقِ
          وَكما قال:
وتَضْحَكُ مِنِّي شَيْخَةٌ عَبْشَمِيَّةٌ                     كَأنْ لَمْ تَرَى قَبْلِي أَسِيرًا يَمَانِيَا
          وكان القياسُ: لا تَرَضَّهَا ولم تَرَ.
          ومَعنى قولِه: (فَلِأُدْعَ لَه) أي فادعوني له حتَّى أقومَ بِكَلِّهِ وضَيَاعِهِ، وذَكَرَهُ ابنُ التِّين بلفظِ: <فَلِأُدْعَى لَهُ> وكذا وقع فِي ابنِ بطَّالٍ، ثمَّ قال _أعني ابنَ التِّين_ وصوابُه: (فَلِأُدْعَ) بحذْفِ الألِفِ وحذْفُها علامةٌ للجزمِ لأنَّه مجزومٌ بِلَامِ الأمْرِ لأنَّ كلَّ فعلٍ في آخِرِهِ واوٌ أو ياءٌ أو أَلِفٌ فَجَزْمُهُ بِحَذْفِ آخِرِه، هَذَا هُوَ المشهور مِن اللُّغتينِ، ومِن العرب مَن يُجْرِي المعتلَّ مجرى الصَّحيح فَيُسْكِنُه فِي موضعِ الجزمِ، وَيرفعُهُ فِي مَوضع الرَّفعِ.
          ثمَّ ذَكَرَ الأبيات السَّالفة، وَعن روايةٍ لابنِ كثيرٍ: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِي وَيَصْبِرْ} [يوسف:90] بإثباتِ الياء وإسكان الرَّاء. قيل: وَهو جارٍ عَلَى هَذَا، وَأنَّ الضَّمَّةَ مقدَّرةٌ فِي الياءِ مِن {يَتَّقِي}فحُذِفَتْ للجزْمِ. وتُقرَأُ اللَّامُ مِن (فَلأُدْعَ) بالإسكانِ والكَسْرِ كما سَلَفَ، وهو الأصلُ فِي لامِ الأمر، والياءُ إِذَا اتَّصلتْ بَها مِثْلُ الواو.
          فَصْلٌ: والكَلُّ العِيالُ والثِّقْلُ، قال تَعَالَى: {وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ} [النحل:76] والكَلُّ أَيضًا اليتيم. والضَّياعٌ بالفتْحِ أَيضًا، وهو مصدرُ ضَاعَ الشَّيءُ يَضِيعُ ضَيْعَةً وضَيَاعًا، أَي هَلَكَ فهو عَلَى تقديرِ محذوفٍ، أَي ذا ضَيَاعٍ، والضِّياعُ بالكسْرِ جمْعُ ضَيْعَةٍ وهي العَقَار.