التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: الولد للفراش حرة كانَت أو أمة

          ░18▒ بَابٌ الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً
          6749- ذَكَرَ فِيْهِ حَدِيْثَ عُتْبَةَ، وَقد سلف [خ¦2053] [خ¦2218] [خ¦2745] [خ¦4303].
          6750- وحَدِيْثَ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺، عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: (الْوَلَدُ لِصَاحِبِ الْفِرَاشِ).
          وَعندَ جُمهورِ العلماءِ أنَّ الحُرَّة تكونُ فِراشًا بإمكانِ الوَطء، ويَلْحقُ الولد في مدَّةٍ تَلِد في مِثْلِها وأقلُّ ذلك ستَّةُ أشهرٍ، وشذَّ أبو حنيفَةَ فَقال: إذا طلَّقها عَقِيب النِّكاحِ مِن غيرِ إمكانِ وطءٍ فأتتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أشهُرٍ مِن وقتِ العَقْدِ فإنَّ الولد يَلْحقُهُ، واحتجَّ أصحابُه بحديثِ البابِ: (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ) وقالوا: هذا الاسمُ كنايةٌ عَن الزَّوجِ، وَقال جَرِيرٌ:
بَاتَتْ تُعَانِقُهُ وبَاتَ فِرَاشُهَا                     خَلَقُ العَبَاءَةِ في الدِّمَاءِ قَتِيلًا
          يعني زوجَها، كَذا أنشده أبو عليٍّ الفارسيُّ، فإذا كان الفِراشُ الزَّوجَ فإنَّه يقتضي وجودَه لا إمكانَ الوَطْءِ، وَحُجَّةُ الجمهورِ أنَّ الفِراشَ وَإنْ كان يقعُ عَلى الزَّوجِ فإنَّه يقعُ عَلى الزَّوجةِ أيضًا لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما فِراشُ صاحبِه.
          حكى ابنُ الأعرابيِّ: أنَّ الفِراشَ عند العربِ يُعبَّرُ به عَن الزَّوجِ وعن المرأةِ، وهي الفِرَاشُ المعروفُ، فمَن ادَّعى أنَّ المرادَ الرَّجُلُ دون المرأةِ فعليه البيانُ، والفِراشُ هنا إنَّما هُو كنايةٌ عن حالةِ الافتراشِ، فَالمرأةُ شبيهةٌ بالفِراش لأنَّها تُفتَرَش، فكأنَّه ◙ أَعْلَمَنَا أنَّ الولَدَ لهذه الحالةِ الَّتِي فيها الافتراشُ، فمتى لم يمكنْ حصولُ هذه الحالِ لم يَلْحَقِ الولَدُ.
          فمعنى قولِه: (الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ) أي لصاحبِ الفِراش، كما جاء فِي حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الباب، وما ذهب إليه أبو حنيفَةَ خلافُ مَا أجرى اللهُ العادةَ به مِن أنَّ الولدَ إنَّما يكون مِن ماءِ الرَّجُلِ وَماءِ المرأةِ، كما أجرى اللهُ تعالى العادةَ أنَّ المرأَة لَا تحمِلُ وتَضَعُ في أقلَّ مِن سِتَّةِ أشهُرٍ، فمتى وَضَعَتْهُ لِأقلَّ منها لم يَلْحق لأنَّها وضعته لمدَّةٍ لا يمكن أنْ يكون فيها.
          وأمَّا الأَمَةُ عند مالكٍ والشَّافعيِّ فإنَّها تصيرُ فِراشًا لسيِّدِها بوطْئِه لها أو بإقرارِه أنَّه وَطِئَها، وبهذا حكمَ عُمَرُ بن الخطَّاب، وهو قولُ ابنِ عُمَرَ، فمتى أتتْ بولدٍ لِسِتَّةِ أشهرٍ مِن يومِ وَطْئِها ثبتَ نسبُهُ منه، وَصارتْ به أمَّ ولدٍ له، وَله أنْ ينفِيَه إذا ادَّعى الاستبراءَ، وَلا تكون فِراشًا بنفْسِ المِلك دونَ الوطءِ عند مالكٍ والشَّافعيِّ.
          وقال أبو حنيفَةَ: لَا تكونُ فراشًا بالوطْءِ وَلا بالإقرارِ به أصلًا، فلو وَطِئَها مئةَ سَنةٍ أو أقرَّ بوطْئِها فأتتْ بولدٍ لم يَلْحقْهُ وَكان مملوكًا لَه وأمُّه مملوكةً، وإنَّما يلحقُهُ وَلدُها إذا أقرَّ به، وَله أنْ ينفِيَهُ بمجرَّدِ قولِه ولا يحتاجُ أنْ يدَّعِيَ الاستبراء. وذكر الطَّحاويُّ عَن ابنِ عبَّاسٍ أنَّه كان يَطأُ جاريةً له فَحَمَلَتْ، فقال: ليس الولدُ منِّي، إنِّي أتيتُها إتيانًا لا أُريدُ به الولدَ. وَعن زيدِ بن ثابتٍ مثلَهُ.
          وقولُهم خِلافُ حديثِ البابِ فِي ابنِ وَلِيدةِ زَمْعةَ؛ لأنَّ ابنَ زَمْعةَ قال: هَذا أخي وُلِدَ عَلى فِراشِ أبي، فأقرَّهُ الشَّارعُ، ولم يقلْ: الأَمَةُ لا تكونُ فِراشًا، ثمَّ قال ◙: (الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ)، وَهذا خِطابٌ خرَج على هذا السَّبب. وَقد سلف أنَّ الفِراشَ كُنِّي به عن الافتراشِ الَّذِي هُوَ الوطءُ، وقد حصلَ في الأَمَةِ فوجَبَ أنْ يَلْحَقَ به الولد. وأيضًا فإنَّ العاهرَ لَمَّا حَصَلَ له الحَجَرُ دلَّ على أنَّ غيرَ العاهرِ بخلافِه وأنَّ النَّسَبَ له، ألَا تراهُ في الموضِعِ الَّذي يكونُ عاهرًا تستوي فيه الحُرَّةُ والأَمَةُ، فوجب أنْ يستوِيَ حالُهما في الموضِعِ الَّذي يكونُ ليس بعاهرٍ. ومِن أطرَفِ شيءٍ أنَّهم يجعلونَ نفْسَ العَقْدِ في الحُرَّةِ فِراشًا وَلم يَرِدْ فيه خبرٌ وَلا يجعلونَ الوَطْءَ في الإماءِ فِراشًا وَفيه وردَ الخبر، فَيَشُكُّون في الأصل وَيقطعون عَلى الفَرْعِ. قاله ابنُ بطَّالٍ. /
          فَصْلٌ: قَوْلُهُ: (هُوَ لَكَ يَا عَبْد بْنَ زَمْعَةَ) يُقرأ بِنصْبِ (عَبْد) ورَفعِهِ، ومعناه أنَّه يكونُ لك أخًا عَلَى دعواك، وإنَّما استَلْحَقَ عَلَى فِراشِ أبيه لأنَّه قَبْلَ وَطْئِهِ إيَّاها كَانَ مشتهرًا غيرَ خفيٍّ بالمدينةِ أو أقرَّ بِذَلِكَ. وأَمْرُهُ بالاحتجابِ فِي حقِّ سَودةَ للاحتياطِ. وَاحتجَّ به محمَّدٌ عَلَى ابنِ الماجِشُون الَّذِي لم يجعلِ الزِّنا مِن الحُرْمَةِ فقال: يجوز أَنْ يتزوَّجَ ابنَتَهُ مِن زِناهُ، فلمَّا قال ◙ لسودةَ: (احْتَجِبِي مِنْهُ) لِمَا رَأَى مِن شبهِهِ بِعُتْبَةَ دلَّ أنَّ له حُرمةً.