التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: ميراث الأخوات مع البنات عصبةً

          ░12▒ بَابٌ مِيرَاثُ الأخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةٌ
          6741- 6742- ذَكَرَ فِيْهِ حَدِيْثَ هُزَيْلٍ السَّالِفَ فِي بابِ ميراثِ ابنةِ ابنٍ مع الابنةِ مختصرًا [خ¦6736] وذكر قبلَه حَدِيْثَ سُلَيْمَانَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ الْأَسْوَدِ: (قَضَى فِينَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ ☺ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ الله صلعم: النِّصْفُ لِلْابْنَةِ، وَالنِّصْفُ لِلْأُخْتِ)، ثُمَّ قَالَ سُلَيْمَانُ: قَضَى فِينَا، وَلَمْ يَذْكُرْ: عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلعم.
          وهَذَا رَواه فِي مَوضعٍ آخرَ عَن الأسودِ بن يزيدَ أَيضًا، قَالَ: ((أتانا مُعَاذٌ باليمنِ مُعلِّمًا وأميرًا فسأله رجلٌ عَن رجلٍ تُوفِّي وتركَ ابنته وأختَه)) الحَدِيْثَ [خ¦6734] وأخرجَه أبو داودَ عن مُوسَى بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَن أَبَانِ بن يزيدَ عن قَتَادَةَ عن أبي حَسَّانَ الأعرجِ عَنْ الْأَسْوَدِ: ((أَنَّ مُعَاذَ وَرَّثَ أُخْتًا وَابْنَةً جَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا النِّصْفَ وَهُوَ بِالْيَمَنِ، وَنَبِيُّ الله صلعم حَيٌّ يَوْمَئِذٍ)).
          قلتُ: هَذَا غيرُ خَبرِ سُليمانَ، ثمَّ أفاد أَنَّ ذَلِكَ فِي عَهدِه، وأنَّه ◙ حيٌّ.
          وكَذا رواه الدَّارَقُطنيُّ مِن حَدِيْثِ يحيى بن طَلْحَةَ التَّيْمِيِّ عن المسيِّب بن رافِعٍ عن الأسودِ بن يزيدَ، قَالَ: ((قَدِمَ علينا مُعَاذٌ حين بعثَهُ رَسُوْلُ الله صلعم فينا، فأعطى البنتَ النِّصفَ والأختَ النِّصف، ولم يورِّث العَصَبَةَ شيئًا)) ومِن حَدِيْثِ مُعَاذِ بن هِشَامٍ حدَّثنا أبي عَن قَتَادةَ عن أبي حسَّانَ الأعرجِ، فذكرَه وفي آخرِه: ((ورَسُوْلُ اللهِ حيٌّ بين أَظْهُرِهم)).
          وفي «صَحيح البَرْقَانيِّ» مِن حَدِيْثِ الأشعثِ عَن الأسودِ قَالَ: أَخبرتُ ابنَ الزُّبير فقلتُ: إنَّ مُعاذًا قَضَى فينا باليَمَنِ. الحَدِيْث، فقال لي ابنُ الزُّبير: أنتَ رسولي إِلَى عبدِ الله بن عُتْبةَ بن مسعودٍ فمُرْه فليقْضِ به، قَالَ: وكَانَ قاضي ابن الزُّبير عَلَى الكوفة. زاد يزيدُ بن هَارُونَ: وقَضَى به عَبْدُ الله بنُ الزُّبيرِ.
          وفي «المصنَّف»: كان ابنُ الزُّبير لا يُعطي الأختَ مَع الابنةِ شيئًا حتَّى حُدِّثَ أنَّ مُعاذًا قَضَى به باليمن. وفي لفظٍ: كَانَ ابنُ الزُّبير قد هَمَّ أَنْ يمنعَ الأخواتِ مع البناتِ الميراثَ، قال الأسود: فحدَّثتُه عن مُعَاذٍ. وحدَّثنا وَكِيعٌ عن إسرائيلَ عن جابرٍ عن عامرٍ قال: كَانَ عليٌّ وابنُ مسعودٍ ومُعَاذٌ يقولون فِي ابنةٍ وأختٍ: النِّصفُ وَالنِّصفُ، وهو قولُ أصحابِ محمَّدٍ صلعم إِلَّا ابْنَ الزُّبير وابنَ عبَّاسٍ.
          إِذَا تقرَّر ذَلِكَ فجماعةُ العلماء إِلَّا مَن شذَّ عَلى أنَّ الأخواتِ عَصَبةٌ للبناتِ يَرِثون مَا فَضَلَ عن البناتِ، كبنتٍ وأختٍ للبنتِ النِّصفُ وَللأخت النِّصفُ الباقي، وكبنتينِ وأُختينِ لهما الثُّلُثان وللأختين مَا بقي، وكبنتٍ وبنتِ ابنٍ وأختٍ _وهي فتوى ابنِ مسعودٍ_ لِلأُولَى النِّصفُ وللثانيةِ السُّدُسُ؛ إذ لا تَرِثُ البناتُ وإنْ كَثُرْنَ أكثرَ مِن الثُّلُثينِ، وللثَّالِثَةِ / الباقي وَلو كَثُرْنَ.
          هذا قولُ جماعةِ الصَّحابةِ غيرَ ابنِ عبَّاسٍ فإنَّه كان يقول: للبنتِ النِّصفُ وَليس للأختِ شيءٌ وَما بقي فهو للعَصَبة، وَكذلك ليس للأختِ شيءٌ مع البنتِ وبنتِ الابنِ، ومَا فَضَل عنهما لم يكن لها وَكان للعَصَبةِ عند ابن عبَّاسٍ، وإنْ لَمْ يكن عَصَبةٌ رُدَّ الفضْلُ عَلى البنتِ أو البنات، وَلم يوافِق ابنَ عبَّاسٍ أحدٌ عَلى ذَلِكَ إلَّا أهلُ الظَّاهر فإنَّهم احتجُّوا بقولِه تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النِّساء:176] فلمْ يُورِّث الأختَ إلَّا إذا لم يكن للميِّت ولدٌ، قالوا: وَمعلومٌ أنَّ الابنةَ مِن الولدِ فوجبَ ألَّا تَرِثَ الأختُ مع وجودِها كما لا تَرِثُ مع وجودِ الابنِ.
          وحُجَّة الجماعة السُّنَّةُ الثابتةُ مِن حديثِ ابنِ مسعودٍ، ولا مدخلَ للنَّظرِ مع وجودِ الخبر، فكيف وَجماعةُ الصَّحابة يقولون بحديثِ ابنِ مسعودٍ وَلا حُجَّة لأحدٍ خالفَ السُّنَّةَ. وَمِن جهةِ النَّظَرِ: إنَّ شرْطَ عدَمِ الولَدِ في الآيةِ إنَّما جُعِلَ شرطًا في فرْضِها الَّذي تُقاسِمُ به الورثةَ وَلم يُجعَلْ مَنوطًا في توريثِها، فإذا عُدِمَ الشَّرطُ سَقَطَ الفرضُ ولم يمنعْ ذلك أن تَرِثَ بمعنىً آخَرَ، كَما شَرَطَ في ميراثِ الأخِ لِأُختْهِ عندَ عدَمِ الولَدِ بقولِه تَعَالَى: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} [النساء:176] جَعَلَ ذلك شرطًا في ميراثِه كَما جَعَلَه شَرْطًا في ميراثِ الأخت، وقد أجمعتِ الجماعةُ أنَّ الأخَ يَرِثُها مع البنتِ وإنْ كان الشَّرطُ معدومًا. كما شَرَطَ في ميراث الزَّوج النِّصفَ إذا لم يكن ولدٌ ولم يمنع ذلك مِن أن يأخذ النِّصفَ مع البنتِ بالفرضِ والنِّصفَ بالتَّعصيبِ إنْ كان عَصَبةً لامرأتِه.
          قال ابنُ عبدِ البَرِّ: مَا ذَكَرَه مالكٌ فِي ميراثِ الإخوةِ الأَشِقَّاءِ هُوَ الَّذِي عليه جُمهورُ العلماء، وهو قولُ عليٍّ وزيدٍ وسائرِ الصَّحابةِ كلِّهم إِلَّا ابنَ عبَّاسٍ فإنَّه كَانَ لا يجعلُ الأَخَواتِ عَصَبةَ البناتِ، وإليه ذهب داودُ بنُ عليٍّ وطائفةٌ، قالوا: والنَّظر يمنعُ مِن توريثِ الأَخَواتِ مع البناتِ كما يمنعُ مِن توريثِهنَّ مع البنين، لأنَّ الأصلَ فِي الفرائضِ تقديمُ الأقربِ فالأقربِ، ومعلومٌ أَنَّ البنتَ أقربُ مِن الأختِ لأنَّ ولدَ الميِّت أقربُ إليه مِن وَلَدِ أبيه، وَولدُ أبيه أقربُ إليه مِن وَلَدِ جَدِّه، وهم يقولون بالرَّدِّ عَلَى ذوي الفُروض.
          وكَانَ ابنُ الزُّبيرِ يقول بِقولِ ابنِ عبَّاسٍ حَتَّى أخبرَهُ الأَسْوَدُ بقضاءِ مُعَاذٍ، وفي بعضِ الرِّواياتِ: ((ورَسُوْلُ الله صلعم حَيٌّ)) كما سلف، فرَجَعَ ابنُ الزُّبيرِ إِلَى قولِ مُعاذٍ، وحَدِيْثُ مُعَاذٍ مِن أثبَتِ الأحاديث.
          قال ابنُ حزمٍ: وليس فِي الرِّواياتِ عَن الصَّحابة أنَّهم ورَّثوا الأختَ مَع البنتِ معَ وجودِ عَاصِبَةٍ ذَكَرٍ، فَبَطَلَ أَنْ يكون لهم متعلَّقٌ بشيءٍ منها.