التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ميراث ابنة اابن مع الابنة

          ░8▒ بَابُ مِيرَاثِ ابْنَةِ الابْنِ مَعَ الابْنَةِ
          6736- ذَكَرَ فِيْهِ حَدِيْثَ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي قَيْسٍ _وَاسمُه عبدُ الرَّحمن بنُ ثَرْوانَ الأَوْدِيُّ الكُوفِيُّ، مات سنة عشرين وَمئةٍ، مِن أفرادِه_ قَالَ: سَمِعْتُ هُزَيْلَ بْنَ شُرَحْبِيلَ _وَهو مِن إفرادِه أَيضًا_ يقَولُ: سُئِلَ أَبُو مُوسَى ☺ عَنِ ابْنَةٍ وَابْنَةِ ابْنٍ وَأُخْتٍ، فَقَالَ: لِلِابْنَةِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ النِّصْفُ وَأْتِ ابْنَ مَسْعُودٍ ☺ فَسَيُتَابِعُنِي، فَسُئِلَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأُخْبِرَ بِقَوْلِ أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: لَقَدْ ضَلَلْتُ إِذًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ، أَقْضِي فِيهَا بِمَا قَضَى النَّبِيُّ صلعم: (لِلِابْنَةِ النِّصْفُ، وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ تَكْمِلَةَ الثُّلُثَيْنِ، وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ). فَأَتَيْنَا أَبَا مُوسَى فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: لَا تَسْأَلُونِي مَا دَامَ هَذَا الْحَبْرُ فِيكُمْ.
          هَذَا الحَدِيْثُ مِن أفرادِه، ولَمَّا ذَكَرَهُ الإسماعيليُّ مِن حديثِ معاذٍ عَن أبي قيسٍ عَن هُزَيلٍ قَالَ: لم يرفعْهُ مُعاذٌ، وَقال عبدُ الكريمِ عَن شُعْبةَ، فلمْ يَذكر: فَأتوا أَبَا مُوسَى. وَلا خلافَ بين الفقهاءِ وأهلِ الفرائض في ميراثِ ابنةِ الابْنِ معَ الابنة، وَأبو مُوسَى قدَ رجعَ إذْ خُصِم بالسُّنَّةِ.
          قلتُ: لكنَّه لم يتفرَّدْ به: قال ابنُ عبد البرِّ: قال بما ذَكَرَه أبو مُوسَى سَلْمانُ بن رَبِيعةَ، ولم يتابعْهما أحدٌ عليه، وأظنُّهما انصرفا عَنْهُ.
          وفيه أنَّ العالِمَ قد يقولُ فيما يُسأل عنه وإنْ لَمْ يُحِطْ بالسُّنَنِ، وَلو لم يَقُلْ العالِمُ حتَّى يحيطَ بالسُّنَنِ ما تكلَّم أحدٌ في الفقهِ. وفيه أَنَّ الحُجَّةَ عِند التَّنازُعِ إِلَى سُنَّةِ رَسُوْلِ الله صلعم، وأنَّه ينبغي للعالِمِ الانقيادُ إليها وأنَّ صاحِبَها حَبْرٌ، أَلَا ترى إِلَى شهادةِ أبي مُوسَى لابنِ مسعودٍ لَمَّا خَصَمَهُ بالسُّنَّةِ أنَّه حَبْرٌ؟!.
          وفيه مَا كانوا عليه مِن الإنصافِ والاعترافِ بالحقِّ لأهلِه، وشهادةِ بعضِهم لبعضٍ بالعلم والفضلِ، وردِّ العلمِ إِلَى الأعلمِ، وأنَّ مطلوبَهم كَانَ الحقُّ.
          فَصْلٌ: أسلفْنا عن ابنِ عَبَّاسٍ ☻: أَنَّ الأختَ لا شَيْءَ لها مَع البناتِ، وإنْ كَانَ مع ابنةِ الابنِ ذَكَرٌ كَانَ لَه مَا بَقِي: {لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ}وكذلكَ إِذَا كثُرَ بنو الابنِ.
          وكَانَ ابنُ مسعودٍ إِذَا أعطى البنتَ النِّصْفَ وفي ولَدِ الابنِ ذَكَرٌ إِذَا قاسمَ بينهم مَا فَضَل فإنْ أصابَ البناتُ أكثرَ مِن السُّدُسِ جَعَلَ للبناتِ السُّدُسَ ولِلذَّكَرِ أو الذُّكورِ مَا فَضَلَ، وإنْ أصابهنَّ السُّدُسُ فأدنى كَانَ الفضْلُ للذَّكرِ مِثْلُ حظِّ الأُنْثَيينِ.
          وقال أَيضًا: إِذَا استكملَ بناتُ الصُّلْبِ الثُّلُثينِ جُعِلَ الفضْلُ لِذَكرِ وَلدِ الابنِ دون إناثهم، سواءٌ كانوا معهنَّ فِي الدَّرجةِ أو أسفلَ منهنَّ.
          والجماعةُ عَلَى أَنَّ بناتِ الابنِ لَا شيءَ لهنَّ إِذَا استكملت البناتُ الثُّلثينِ، إِلَّا أَنْ يكون مَعهنَّ ذَكَرٌ أو أسفلَ منهنَّ، فيكونُ مَا بَقِيَ لَه ولمن يساويه فِي الدَّرجةِ / وَلمن هُوَ فوقَه ممَّن لم يأخذْ شيئًا مِن الثُّلُثينِ، وقيل: يَرُدُّ ابنُ الابنِ عَلَى مَن معه وَلا يردُّ عَلَى مَن فوقه، ففي هَذَا الخبرِ ثلاثُ فوائدَ: أَنَّ للبنتينِ الثُّلُثين، وَأنَّ الأخواتِ عَصَبةُ البناتِ، وأنَّ بنتَ الابْنِ تقوم مقامَ البنتِ.
          فَصْلٌ: (الحَبْرُ) هنا بفتْحِ الحَاءِ وقد تُكسَرُ. قَالَ الجَوهَرِيُّ: الحَبْر وَالحِبْرُ واحدُ أحبارِ اليَهُود، قَالَ: وبالكسْرِ أفصحُ لأنَّه يُجمَعُ عَلَى أفعالٍ دون فُعولٍ، قال الفرَّاء: هُوَ بالكسرِ وإنَّما قيل: كَعْب الحِبْرِ لمكان هَذَا الحِبر الَّذِي يُكتبُ به، قَالَ: وذَلِكَ أنَّه كَانَ صاحبَ كُتُبٍ. قال الأَصْمعيُّ: لا أدري هُوَ بالْفتْحِ والكسرِ للرَّجُلِ العالِمِ. قال أبو عُبَيدٍ: هُوَ عندي بالفتح، وَمعناه: العالِمُ بتحبيرِ الكَلام والعلمِ بتحسينِه، قَالَ: وهكذا يرويه المحدِّثُون كلُّهم بالفتح، وَكذلك رُوِّيناه.
          قال الهَرَويُّ: كَانَ أبو الهيثم يُنكِرُ الكَسْرَ ويقول: هُوَ بالفتْحِ لا غير، وقال الْقُتْبِيُّ: لستُ أدري لمَ اختار أبو عُبَيدٍ الكسْرَ وتَرَكَ ذِكْرَ الفتْحِ، والدليلُ عَلَى أنَّه بالفتحِ قولُهم: كَعْبُ الأَحْبَار أَي عالِمُ العلماءِ. قال الهَرَويُّ: لم يُنصفْ أبا عُبَيدٍ حيث أضافَ إليه اختيارًا لم يفعلْهُ، وإنَّما حَكَى عَن الأئمَّةِ أقوالَهم.