التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ما يرث النساء من الولاء

          ░23▒ بَابُ مَا يَرِثُ النِّسَاءُ مِنَ الْوَلَاءِ
          6759- ذَكَرَ فِيْهِ حَدِيْثَ عائِشَةَ ♦ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ: (اشْتَرِيهَا، فإنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ).
          6760- وحديثَها أَيضًا قَالَتْ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلعم: (الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْطَى الْوَرِقَ وَوَلِيَ النِّعْمَةَ).
          وهو يُوجب أَنْ يكونَ الوَلاءُ لكلِّ مُعتِقٍ ذكرًا كَان أو أنثى لأنَّ (مَنْ) تصلُحُ للذَّكرِ والأنثى والواحدِ والجمْعِ، إلَّا أنَّه ليس للنِّساء عندَ جماعةِ الفقهاء مِن الوَلاءِ _ونَقَلَ سُحْنُون فِيْهِ الإجماعَ_ إلَّا مَن أعتَقْنَ أو أعَتْقَ مَن أعتَقْنَ أو ولدُ مَن أعتقنَ، وعبَّر أَيضًا: أو جَرَّ الولاء إليهنَّ مَن أعتَقْنَ، وربَّما عبَّروا فقالوا: لا تَرِثُ امرأةٌ بولاءٍ إِلَّا مُعتَقَها أو منتميًا إليه بنَسَبٍ أو ولاءٍ.
          قال الأَبْهَرِيُّ: وَهذا قولُ الفقهاءِ السَّبْعَةِ وغيرِهم مِن أهلِ المدينةِ والكوفةِ، ليس فيه اختلافٌ إلَّا ما يُروَى عَن مسروقٍ أنَّه قال: يَرِثُ النِّساءُ مِن الولاءِ كما يَرِثْنَ مِن المال، وذَكَرَ ابنُ المنذرِ عَن طَاوُسٍ مثلَه، واحتجَّ بقولِه تعالى: {وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ}الآية [النساء:7] وَهذا شذوذٌ ولم يعرَّج عليه، وإنَّما يَرِث النِّساءُ وَلاءَ مَن أسلفْناه، لأنَّه عن مباشرةٍ وليس هو جَرُّ الميراث. وإنَّما لم يرثنَ الولاءَ لأنَّه إنَّما يُورَثُ بالتَّعصيبِ والمرأةُ لا تكون عَصَبةً، ولَمَّا كانت المرأةُ لا تستوعبُ المالَ بالفرْضِ الَّذي هو أوكدُ مِن التَّعصيبِ لم تَرِثِ الولاءَ.
          فَصْلٌ: كلُّ موضعٍ يكون فِيْهِ الوَلاءُ للمعتِق الرَّجُلِ فالمرأةُ المعتِقةُ كَذلك، فإِذَا أعتَقَ رجلٌ أو امرأةٌ عبدًا ثبت الولاء لهما وَولاءُ ولدِه ذكورِهم وإناثِهم، وولاءُ ولدِ الذُّكورِ كذلك. قال ابن التِّين: وَلا شيء لهما فِي ولاءِ وَلَدِ البناتِ ذَكَرًا كَانَ وَلدُ البنتِ أو أنثى.
          قَالَ: فإنْ أعتَقَا أَمَةً فالولاءُ لهما دونَ وَلَدِها، فإنْ ولدتْ تلكَ الأَمَةُ ذَكَرًا / كَانَ أو أنثى كَانَ ولاؤهم لمعتِقِ زوجِها، فإنْ لَمْ يُخْلِفْ مُعتِقُ الزَّوجِ مَن يَحُوزُ الولاءَ أو كَانَ الزَّوجُ حُرًّا لم يتقدَّم عليه ولاءٌ فَوَلاؤُهم لِبَيْتِ المالِ فِي «المدوَّنة» وعَلَى قولِ ابنِ الموَّاز: يعودُ الولاءُ لمعتِقِ الأمِّ، واعتَرَضَ عَلَى الحصْرِ السَّالِفِ الَّذِي نقلْنا فِيهِ الإجماعَ، فقال: هُوَ حصرٌ غيرُ مستَمِرٍّ، وذَلِكَ أنَّه إِذَا كَانَت المعتَقَة لها ولدٌ مِن زِنا أو كَانَت مُلاعَنَةٌ لها ولدٌ أو كَانَ زوجُها عبدًا، فإنَّ ولاء ولَدِهنَّ كلِّهنَّ لمعتِقِها، والحصرُ المستمِرُّ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالُ: لا ترثُ النِّساءُ مِن الولاءِ إِلَّا مَن أعتقْنَ، أو مَن جرَّهُ إليهنَّ مَن أعتقْنَهُ بولادةٍ أو عِتقٍ، ورأيتُ نحوَ هَذَا الحَصْرَ لابنِ القاسم فِي «مختصر الشَّيخ أبي محمَّدٍ» ونحوه عن سُحنُون فِي غيرِ أُمٍّ.
          فَصْلٌ: وقولُه: (الوَلاَءُ لِمَنْ أَعْطَى الوَرِقَ، وَوَلِيَ النِّعْمَةَ) معناه لمن أعطى الثَّمنَ وأعتقَ بعد إعطاءِ الثَّمَنِ لأنَّ ولايةَ النِّعمة الَّتِي يُستَحَقُّ بها الميراثُ لا تكون إلَّا بالعِتق.