التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا أسلم على يديه

          ░22▒ بَابٌ إِذَا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ رَجُلٌ.
          وَكَانَ الْحَسَنُ لَا يَرَى لَهُ وِلايَةً، وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم: (الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ).
          وَيُذْكَرُ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ ☺ رَفَعَهُ قَالَ: (هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ). وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ هَذَا الْخَبَرِ.
          6758- ثمَّ سَاقَ قِصَّةَ بَرِيرَةَ مِنْ طريقينِ عن عائِشَةَ ♦، وفي آخِرِ أَحَدِهما: (وَكَانَ زَوْجُهَا حُرًّا).
          الشَّرح: أثرُ الحسَنِ رواه أبو بكرٍ عن وَكِيعٍ حدَّثنا سُفْيانُ عن مُطرِّفٍ عن الشَّعبيِّ وعن يُونُس عَنْهُ، وفي روايةِ عبدِ الأعلى عَن يُونُسَ عَنْهُ: لا يَرِثُه إِلَّا إنَّه إنْ شاءَ / أَوْصَى بمالِه.
          وحَدِيْثُ تميمٍ أخرَجه التِّرمذِيُّ فِي «جامعِه» عَن أبي كُرَيبٍ عَن أبي أُسَامةَ وابنِ نُمَيرٍ وَوَكِيعٍ عن عبدِ العزيز بن عُمَرَ بن عبدِ العزيز عَن عَبْدِ الله بن مَوْهَبٍ _وقال بعضُهم: ابن وَهْبٍ_ عن تميمِ بن أَوْسٍ الدَّارِيِّ، قَالَ: ((سألتُ رَسُوْلَ الله صلعم: مَا السُّنَّةُ فِي الرَّجُلِ يُسْلِمُ عَلَى يَدِ الرَّجُلِ)) الحَدِيْثَ. قَالَ: وقد أدخل بعضُهم بين عَبْدِ الله بن مَوْهَبٍ وبين تميمٍ قَبيصَةَ بن ذُؤَيبٍ، رواه يَحيى بنُ حَمْزَةَ كذلك، وهو عندي ليس بمتَّصلٍ. قلتُ: حَدِيْثُ يَحيى أخرجه أبو داودَ عن يزيدَ بن خالدِ بن مَوْهَبٍ وهِشَامِ بن عَمَّارٍ عن يحيى بن حَمْزَةَ عن عبدِ العزيز بن عُمَرَ قَالَ: سمعتُ عَبْدَ الله بنَ مَوْهَبٍ يُحدِّث عن عُمَرَ بنِ عبد العزيز عن قَبيصَةَ بن ذُؤَيبٍ عن تميمٍ.
          وفي «كتابِ ابنِ أبي شَيْبةَ» و«مسندِ أحمدَ»: حدَّثنا عبد العزيز بن عُمَرَ، عن عَبْدِ الله بن مُوْهَبٍ، قَالَ: سمعتُ تميمًا. الحَدِيْثَ. ورواه ابنُ بنتِ مُنَيعٍ عَن جماعةٍ، عَن عبدِ العزيز بلفظ: سمعتُ تميمًا، فيجوز أَنْ يكون رواه أَوَّلًا عن قَبيصَةَ عن تميمٍ، ثم سَمِعَهُ مِن تميمٍ.
          وقَوْلُ البُخَاريُّ: (وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ هَذَا الخَبرِ) هُوَ كما قال، فقد أسلفْنَا عن التِّرمذِيِّ انقطاعَه، وقَال الخَطَّابِيُّ: ضعَّفه أحمدُ وقَالَ: رَاوِيهِ عبدُ العزيز وليس مِن أَهْل الحفظِ والإتقانِ. قلتُ: المعتَبَرُ كونُه ثقةً وَهو موجودٌ، قال محمَّد بن عَمَّارٍ المشبَّه فِي الحفظِ بالإمام أحمدَ: ثِقَةٌ ليس بين النَّاسِ فِيْهِ اختلافٌ، وقال يَحيى بن مَعِينٍ فِي رواية الغَلَاِبيِّ: ثبتٌ، وقال أبو داودَ تلميذُ الإمامِ أحمدَ: ثِقَةٌ، ورَوَى له الجماعةُ.
          قال أبو زُرعةَ النَّصْرِيُّ الدِّمشقِيُّ الحافظُ فِي «تاريخ دمشقَ»: حدَّثني صَفْوانُ بن صالحٍ سمِعَ الوليدَ بن مُسلمٍ يذكُرُ أَنَّ الأوزاعيَّ كَانَ يَدْفَعُ هَذَا الحَدِيْثَ، وَلا يرى له وجهًا، ويحتجُّ بأنَّه لم يكن للمسلمينَ يومئذٍ دِيوانٌ وَلا خَرَاجٌ، قال أبو زُرعةَ: وليس كذلك بل الحَدِيْثُ حَسَنُ المخرجِ والاتِّصال لم أرَ أحدًا مِن أَهْل العِلم يَدفعُهُ.
          وأمَّا الدَّارَقُطنيُّ فَقال: إنَّه حَدِيْثٌ غريبٌ مِن حَدِيْثِ أبي إسحاقَ السَّبيعيِّ عَن ابن مَوْهَبٍ، تفرَّدَ به عَنْهُ ابْنُه يُونُسُ، وتفرَّد به أبو بكرٍ الحنفيُّ عَنْهُ. فأفادَنا متابِعًا لعبدِ العزيزِ وَهو أبو إسحاقَ، والغَرابةُ لا تدلُّ عَلَى الضَّعفِ فقد تكون فِي «الصَّحيح» والإسنادُ الَّذِي ذكرَه صحيحٌ عَلَى شرط الشَّيخين.
          وفيه ردٌّ لِقولِ ابنِ المنذر: ورفَعَ الحَدِيْثَ أحمدُ وتكلَّمَ فِيهِ غيرُه وَلم يرْوِه غيرُ عبدِ العزيزِ بنِ عُمَرَ وَهو شيخٌ ليس مِن أهل الحفظ، وقَالَ: قد اضطرَبَتْ روايتُه له، فَرَوَى عَنْهُ وَكِيعٌ وأبو نُعَيمٍ عن عَبْدِ الله بن مَوْهَبٍ قَالَ: سمعتُ تميمًا، ورواه شَرِيكٌ عن حَفْصِ بنِ غياثٍ عَنْهُ عن ابن وَهْبٍ عن قَبِيصَةَ عن تميمٍ، ولا ندري أسمِعَ قَبِيصَةُ مِن تميمٍ أم لا؟ فلمَّا اضطربَ خشينا أَلَّا يكون محفوظًا، وكَانَ ظاهِرُ قولِه: (الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) أَوْلَى بنا، ودلَّ عَلَى أَنَّ الولاءَ لا يكون لغير المعتِقِ. وقد أخرجه أحمدُ فِي «مسنده» وشرْطُه فِيْهِ معلومٌ، كما أوضحَه أبو مُوسى المَدِينيُّ فِي «خصائصه».
          فَصْلٌ: اختلفَ العلماء فيمن أسلمَ على يَدَيْ رجلٍ مِن المسلمين، فقال الشَّعبيُّ كقولِ الحسَنِ: لا ميراث للَّذي أسلمَ على يديْهِ وَلا ولاء له، وميراثُ المسلم إذا لم يَدَعْ وارثًا لجماعةِ المسلمين. وهو قولُ ابنِ أبي ليلى ومالكٍ والثَّوريِّ والأوزاعيِّ والشَّافعيِّ وأحمدَ، وحُجَّتُهم حَدِيْث البابِ: (الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) فَنَفَى الميراثَ عَن غيرِ المعتِق، كما نفى عنه الولاء.
          وذَكر ابنُ وَهْبٍ عن عُمَرَ بن الخطَّابِ قال: ولاؤه للَّذي أسلَمَ على يديهِ، وَهو قولُ رَبِيعةَ وإسحاقَ، وحكاهُ ابنُ أبي شَيْبةَ فِي «مصنَّفه» عن عُمَرَ أنَّه قضى بِذَلِكَ، وَهو قولُ النَّخَعيِّ وعُمَرَ بن عبد العزيز وابنِ مسعودٍ وزِيَادِ بن أبي سُفْيانَ وغيرِهم.
          وفيها قولٌ آخَرُ رُوِيَ عَن النَّخَعيِّ: أنَّه إذا أسلَمَ على يديْهِ الرَّجُلُ ووالاهُ فإنَّه يَرِثه ويَعْقِلُ عَنْهُ، وَله أنْ يتحوَّلَ عنه إلى غيرِه مَا لم يَعْقِلْ عنه فإذا عَقَلَ عنه لم يكن له أن يتحوَّلَ عنه إلى غيرِه، وهَذَا قولُ أبي حنيفَةَ وصاحبيهِ وحُكِيَ عن أبي أيُّوبَ والنَّخَعيِّ أَيضًا، فإنْ أسلم عَلَى يديْهِ وَلم يُعَاقِدْهُ ولم يُوالِهِ فَلا شيءَ له، قال الطَّحاويُّ فِي «مشكله»: وَهو قولُ أكثرِ العلماء، وأجازه عُمَرُ بن الخطَّاب، ورُوِيَ ذَلِكَ عَن الزُّهْرِيِّ، واحتجُّوا بحديثِ تميمٍ الدَّارِيِّ، وقَد عرفتَ مَا فِيْهِ، وابنُ بطَّالٍ ساقه عن مُسدَّدٍ عن عَبْدِ الله بن داودَ عن عبد العزيزِ عن عَبْدِ الله بن مَوْهَبٍ عن تميمٍ به وقَد عرفتَ حالَه.
          قال ابن القصَّار: لَو صحَّ لكان تأويلُه: أحقُّ به يُواليهِ ويَنصُرُه ويُواريهِ إذا مَات، وَليس فِيْهِ أنَّه أحقُّ بميراثِه.