التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ميراث العبد النصراني ومكاتب النصراني

          ░27▒ بَابُ مِيرَاثِ الْعَبْدِ النَّصْرَانِيِّ وَمُكَاتَبِ النَّصْرَانِيِّ
          كذا في الأصول، بزيادةِ: (وَإِثْمِ مَنِ انْتَفَى مِنْ وَلَدِهِ) وأسْقَطَها ابنُ بطَّالٍ وابنُ التِّين، وفي بعضِ النُّسَخِ: <بَابُ إِثْمِ مَنِ انْتَفَى مِنْ وَلَدِهِ> ولم يُدخِلْ تحت ذَلِكَ حديثًا، وكأنَّه أحالَ في (إِثْم مَنِ انْتَفَى مِنْ وَلَدِهِ) عَلَى ما سَلَفَ.
          ومذهبُ العلماءِ _فيما حكاه ابنُ بطَّالٍ_ أنَّ العبدَ النَّصْرانيَّ إذا ماتَ فمالُهُ للسَّيِّدِ لأنَّ مِلْكَ العبدِ غيرُ صحيحٍ ولا مُستَقرٍّ، فالمالُ إنَّما يأخذُه السَّيِّدُ لأنَّه مالُهُ ومِلْكُه، لا أنَّه يستحقُّهُ مِن طَريقِ الميراث، وإنَّما يُستحِقُّ بِطريق الميراثِ مَا كان مِلكًا لمن يورَث عنه.
          قال: وأمَّا المكاتَبُ النَّصرانيُّ فإنْ مَاتَ قبْلَ أداءِ كتابتِه نُظِرَ، فإنْ كَان في مَالِه وَفاءٌ لباقي كتابتِه أَخَذَ ذلك مولاهُ الَّذي كاتَبَهُ، وإنْ فَضَلَتْ مِن مالِه فَضْلةٌ كانت لمن كُوتِبَ معه إنْ كانوا عَلى دِينِه، فإنْ لَمْ يكن معه أحدٌ في الكتابةِ لم يَرِثْ ذلك السَّيِّدُ وَكان لِبيتِ المال.
          وقال الطَّبريُّ: اتَّفق فقهاءُ الحجازِ والعراقِ والشَّامِ وغيرُهم أنَّ مَن أعتقَ عبدًا نصرانيًّا، فمات العبدُ ولَه مالٌ أنَّ ميراثَه لِبيتِ المال، وقال ابنُ سِيرينَ: لو كان عبدًا مَا وَرِثَهُ فكيف هذا؟
          وقال ابْنُ التِّين: المكاتَبُ النَّصرانيُّ يَرِثُهُ سيِّدُهُ لأنَّه عبدٌ مَا بقِيَ عليه دِرْهمٌ، وَهَذَا مذهبُ عُمَرَ وابنِ زيدٍ وعائِشَةَ، وبه يقولُ أهل المدينة. وقال ابنُ عبَّاسٍ: إِذَا كُوتِبَ عَتَقَ أدَّى أو لَمْ يُؤَدِّ، وَقال ابنُ مسعودٍ: إِذَا أدَّى نِصْفَ كتابتِه كَاَنَ حُرًّا، وَهُوَ غريمٌ. وَقال أبو حنيفَةَ وأصحابُه: للسَّيِّد كِتابتُه والفضلُ بعد ذَلِكَ بين ورثتِهِ، وإنْ لَمْ يكن فيهم مَن يستكملُ المالَ كَاَنَ مَا فَضَلَ بَعْدُ لِسَيِّدِه.
          فَصْلٌ: والنَّصْرانيُّ يُعتقه مُسلمٌ فيموتُ ويخلِّفُ مالًا وَلا وَرَثَةَ له فميراثُهُ للمسلمين. وقال ابن سِيرينَ: لَو كَاَنَ عبدًا مَا وَرِثَه فكيف هذا؟ وَهَذَا منه خلافٌ للجماعة في أنَّه يَرِثُ بالرِّقِّ، فإنْ كَاَنَ له وَرَثَةٌ فاختُلِفَ فيمن يَرِثُه عَلَى ثمانيةِ أقوالٍ: فقال مالكٌ، وَهو اختيارُ ابنِ القاسمِ وابن القاضي في «معونتِه»: يَرِثُه جميعُ وَرَثَتِه، وَقيل: يَرِثُه الولدُ خاصَّةً، وقيل: والإخوةُ والعَصَبَةُ، وقال مرَّةً: / ميراثُه للمسلمين، وَعنه أيضًا: يرثُه وَلَدُه ووالدُه خاصَّةً، وقال ابنُ القاسم: يَرِثُه ولدُه ووالدُه وإخوته خاصَّةً. وقَال سُحْنُون: يرثُه مِن ذوي رَحِمِه مَن أعتقه مسلمٌ، وقال المغيرة في «النَّوادر»: يُوقَف مَالُه وَلا يكون فيئًا، فمَنِ ادَّعاه مِن النَّصارى كَاَنَ له وَلا يُكلَّف بيِّنَةً، وقال اللَّيثُ وعُمَرُ بْن عبد العزيز: ميراثُه لِسَيِّدِهِ إِذَا لَمْ يكن لَه ورثةٌ. وقال ابنُ التِّين: وبه قال الشَّافعيُّ.