التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب ميراث المرأة والزوج مع الولد وغيره

          ░11▒ بَابُ مِيرَاثِ الْمَرْأَةِ وَالزَّوْجِ مَعَ الْوَلَدِ وَغَيْرِهِ
          6740- ذَكَرَ فِيْهِ حَدِيْثَ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ أَنَّهُ قَالَ: (قَضَى رَسُولُ الله صلعم فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لَحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ، ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ، فَقَضَى رَسُولُ الله صلعم بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا، وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا).
          الشَّرح: الغُرَّةُ الخِيَار، قال أبو عَمْرٍو: معناها الأبيضُ فَلا يُؤخذ فيها الأسودُ، وَقال مالكٌ: الحُمْرَانُ أحبُّ إليَّ مِن السُّودان. قال الأَبْهَرِيُّ: يعني البِيضَ، فإنْ لَمْ يكن عَبِيدُ تلك البلدةِ بِيضًا كَانَ مِن السُّودان، وقد كَانَ للغُرَّةِ أصلٌ معروفٌ فِي الجاهليَّةِ لمَن لم يبلغ بِشَرَفِه أنْ يُودَى دِيَته كاملةً.
          وعبارةُ ابنِ التِّين: الغُرَّةُ المملوكُ ذكرًا كَانَ أو أنثى، وَ(غُرَّةٌ) عبدٌ أو وليدةٌ بالتَّنوينِ، وَ(عَبْدٌ) بالرَّفعِ عَلَى البدلِ ورُوِيَ بغيرِ تنوينٍ وخفضِ عبدٍ بالإضافة. وقال الإسماعيلِيُّ: قراءةُ العامَّةِ عَلَى الإضافةِ، ويُقرأ بالتَّنوين.
          وقَوْلُهُ: (أَوْ أَمَةٍ) معطوفٌ عَلَى (عَبْدٍ) ففيه الوجهان.
          وقال ابنُ التِّين: الغُرَّةُ منوَّنةٌ فِي الحَدِيْثِ، ثمَّ فسَّرَها، وَليستِ الغُرَّةُ مضافةً إِلَى العبدِ وَلا الأَمَة.
          قال مالكٌ: ويكون مِن أوسط عَبِيدِ تلك البلدة، إنْ كَانَ أكثرُهم الحُمْرَانُ فمِن أوسطِهم، وإنْ كَانَ السُّودان فمِن أوسطِهم، وقال مالكٌ: هي عبدٌ أو وليدةٌ. وَكذا ذَكَرَهُ البُخَاريُّ فِي الدِّياتِ كَما سيأتي.
          ولفظُ (أو) قيل: يحتمل الشَّكَّ مِن الرَّاوي، والظَّاهرُ أنَّها للتَّنويع، وَكأنَّه عبَّرَ عَن الجسْمِ كلِّه بالغُرَّةِ.
          وقَوْلُهُ: (وَأَنَّ العَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا) دليلٌ أَنَّ دِيَةَ الجنينِ تحمِلُها العَاقِلةُ، وهي روايةُ أبي الفَرَج عن مالكٍ لأنَّها دِيةُ شخصٍ كَدِيَةِ النَّصرانيِّ والمَجُوسيِّ والَّذي في «المدوَّنةِ» أنَّ دِيَتَه في مالِ الجاني لأنَّه أقلُّ مِن ثُلُثِ الدِّيةِ.
          فَصْلٌ: هَذَا الحَدِيْثُ ذَكَرَهُ البُخَاريُّ أَيضًا فِي الدِّياتِ كما ستعلمُه [خ¦6909] وقد أوضحتُ شرْحَه فِي «شرحي للعمدة» فليُراجع منه.
          ومِن غريبِ مَا وقعَ فِي هَذَا الحَدِيْثِ بعد قَوْلِه: (أَوْ أَمَةٍ): ((أو بغلٍ أو حِمارٍ)) أخرجها أبو داودَ وهي معلولةٌ. وفي روايةٍ لابنِ أبي شَيبةَ مِن حَدِيْثِ عَطَاءٍ مُرسَلًا: ((أو بغلٍ)) فقط، وأُخرى: ((أو فَرَسٍ)) مِن حَدِيْث هِشَامٍ عن أبيه، وقال به مُجَاهدٌ وطَاوُسٌ.
          وفي الدَّارَقُطنيِّ مِن حَدِيْث مَعْمَرٍ عَن ابنِ طَاوُسٍ عن أبيه أَنَّ عُمَرَ قَالَ: أو فرسٍ. وفي الإسماعيلِيِّ قال عُرْوةُ: الفَرسُ غُرَّةٌ. وقال ابنُ سِيرينَ: يُجزئ مئةُ شاةٍ. وفي بعضِ طُرُقِ أبي داودَ: ((خمسَ مئة شاةٍ)) وهو وَهَمٌ، صوابُه: ((مئةَ شاةٍ)) كما نبَّه عليه أبو داودَ. وفي «مسند الحارث بن أبي أُسامةَ» مِن حَدِيْثِ حَمَلِ بن مالكٍ: ((أو عشرين مِن الإبلِ أو مائةِ شاةٍ)) قال البَيْهَقِيُّ: ورواه أبو المَلِيح أَيضًا عن أبيه عَن رَسُوْلِ الله صلعم إِلَّا أنَّه قَالَ: ((أو عشرونَ وَمئةُ شاةٍ)) وإسنادهُ ضَعيفٌ.
          فَصْلٌ: مِن الغريبِ _فيما حكاه القُرْطبيُّ_ أَنَّ شِرْذمةً شذَّت فقالت: لَا شيءَ فِي الجنينِ، وَهي مَحجوجةٌ بالنُّصوصِ وإجماعِ الصَّحابةِ، وَمِنْهُ حَدِيْثُ مُجَالدٍ عَن الشَّعبيِّ عَن جابرٍ ☺: ((جعلَ غُرَّةَ الجنينِ عَلَى عاقلةِ القَاتِلة)) ولم يُتابَع عليه، وَفيه: ((وبرَّأ زوجَها وولدَها)) فقال عاقلةُ المقتولةِ: ميراثُها لنا، فقال ◙: ((لا، ميراثُها لزوجِها وولدِها)).
          وفي البَيْهَقِيِّ مِن حَدِيْثِ ابنِ عبَّاسٍ: فقال عمُّها: إنَّها قد أَسْقَطتْ يا رَسُوْلَ الله غلامًا قد نبتَ شَعَرُه ميِّتًا، فقال أبو القَاتلةِ: إنَّه كاذبٌ.
          فَصْلٌ: ذَكَرَهُ البُخَاريُّ فِي الدِّيات بلفْظِ: ((اقتتلتِ امرأتانِ مِن هُذَيلٍ)) [خ¦6910] يُقَالُ: إنَّ الضَّاربةَ يُقال لها: أمُّ عفيفٍ بنتُ مَسْروحٍ، والمضروبةَ مُلَيْكةُ بنتُ عُوَيمٍ، وقيل: عُوَيمرٍ بِرَاءٍ، ذكره أبو عُمَرُ.
          والقائل: أنَغْرَمُ مَن لا شَرِبَ وَلا أَكَل؟... إِلَى آخرِه. حَمَلُ _بالحاء المهمَلَةِ_ ابنُ مالكِ بنِ النَّابغةِ. ووقع لعبدِ الغنيِّ: العَلاءُ بنُ مَسْرُوجٍ، ولا تَخَالُفَ أنَّ العَاقِلةَ كانوا غيرَ واحدٍ فيصدُقُ عَلَى أَنَّ كلَّ واحدٍ قاله. وفي مُسلمٍ: فقال رَجُلٌ مِن عَصَبَةِ القَاتِلَةِ.
          وقال الخطيبُ: إحداهما مُلَيْكةُ، والأُخرى عُطَيفٌ، ويُقَالُ: أمُّ عُطَيفٍ. ورَوَى أَنَّ إحداهما أمُّ عُطَيْفٍ، والأُخرى أمُّ مُكَلَّفٍ. ورَوَى أبو مُوسَى المَدِينيُّ فِي «الصَّحابةِ» أَنَّ حَمَلَ بنَ مالكٍ هَذَا تُوفِّي زَمَنَ رَسُوْلِ الله صلعم، وُجِدَ مقتولًا، قتلتهُ امرأةٌ اسمها أُثَيْلَةُ، وأنَّه ◙ أهدَرَ دَمَهُ.
          فَصْلٌ: ذَكَرَ البُخَاريُّ هناك روايةً أُخرَى أَنَّ المرأةَ المضروبةَ مِن بني لِحْيان، وَلا تَخَالُفَ بينَهما، فإنَّ لِحيان _بكسْرِ اللَّامِ، وقيل بفتْحِها_ بطنٌ مِن هُذَيلٍ، وهو لِحيانُ بن هُذَيلِ بن مُدْرِكَة. قَالَ الجَوهَرِيُّ: ولِحيانُ: أبو قَبِيلةٍ، وضبطه بكسر اللام، وفي روايةٍ: هُذَليَّةٌ وعَامرِيَّةٌ، وفي إسنادِها ابنُ أبي فَرْوَةَ وهو ضعيفٌ، وظاهرهُما التَّعارُض.
          وفي «الصَّحيح» أَنَّ إحداهُما كَانَت ضَرَّةَ الأُخرى، وفي روايةٍ مِن طريق مُجَالِدٍ: وكلٌّ منهما تحتَ زوجٍ. وَلا منافاةَ أَيضًا لاحتمالِ إرادةِ كونِهما ليستا عَزْبَتَين. وَجاء أَيضًا أنَّها ضَرَبَتها بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ، وَجاء: فَحَذَفْتَها، وجاء: قَذَفَتْ إحداهُما الأُخرى بِحَجَرٍ. ولا تَخَالُفَ لاحتمالِ أَنْ يكونَ الفعْلُ تَكَرَّر.
          فَصْلٌ: رَوَى وَكِيعٌ عَن عَبْدِ الله بنِ أبي بكرٍ عَن أبي المَلِيح الهُذَليِّ قَالَ: كَانَ تحتَ حَمَلِ بنِ مالكٍ امرأتان: امرأةٌ مِن بني سعْدٍ، وامرأةٌ مِن بني لِحْيَانَ، فرمتْ السَّعديَّةُ اللِّحْيَانِيَّةَ فَقَتَلَتْها وأَسْقَطَتْ غلامًا، / فَقَضَى ◙ فِي الجنينِ بِغُرَّةٍ، فقال عُوَيمِرٌ أحدُ مَن قُضِيَ عليهم بالغُرَّةِ: يا رَسُوْلَ الله لا غُرَّة لي، قال: ((فَعَشْرٌ مِن الإبل))، قَالَ: يا رَسُوْل الله: لا إِبِلَ لي، قَالَ: ((فعشرونَ ومئةٌ مِن الشَّاة ليس فيها عَوْرَاءُ ولا فَارِضٌ ولا عَضْبَاءُ)) قَالَ: يا رَسُوْل اللهِ، فَأَعنِّي بها فِي صَدقةِ بني لِحْيَانَ، فقال ◙ لرجلٍ: ((فَأَعِنْهُ بها)).
          وروى عبدُ الرَّزاق عَن أبي جابرٍ البَيَاضِيِّ _وَهو واهٍ_ عَن سعيدِ بنِ المسيِّب: ((قَضَى رَسُوْلُ الله صلعم فِي جنينٍ يُقتَلُ فِي بطنِ أُمِّه بِغُرَّةٍ: فِي الذَّكرِ غُلَامٌ، وفي الأُنْثى جَارِيةٌ)).
          فَصْلٌ: فِيْهِ مِن الفوائدِ أَنَّ شِبْهَ العَمْدِ تَحْمِلُه العَاقِلةُ، وَهو قولُ الشَّافعيِّ وَالجمهورِ، وفي روايةٍ صحيحةٍ للبَيْهَقِيِّ: ((وقَضَى أَنْ تُقتَلَ المرأةُ بالمرأةِ)) قال البَيْهَقِيُ: إسنادُها صَحيحٌ إِلَّا أنِّي لم أجدْها فِي شيءٍ مِن طُرُقِ الحَدِيْثِ، وقال أبو عُمَرَ: اتَّفَق عَلَى هذه الرِّوايةِ عن ابنِ جُرَيجٍ حجَّاجُ بنُ محمَّدٍ الأعورُ وأبو عَاصِمٍ النَّبيلُ.
          قلتُ: ومحمدُ بنُ بكرٍ البُرْسَانِيُّ أخرجه الدَّارَقُطنيُّ، وعبدُ الرَّحمن كما أخرجه البَيْهَقِيُّ، قَالَ: وذَكَرَ فِي الحَدِيْثِ عَن عَمْرِو بن دِينارٍ أنَّه شكَّ فِي قَتْلِ المرأةِ بالمرأةِ حين أخبره ابنُ جُرَيجٍ عن ابنِ طَاوُسٍ عن أبيه: ((أنَّه ◙ قَضَى بِدِيتِهَا وبِغُرَّةٍ فِي جنينِها)) قال البَيْهَقِيُّ: وَالمحفوظُ أنَّه قَضَى بِدِيَتِها عَلَى عَاقِلَةِ القَاتِلَةِ.
          ثمَّ قال أبو عُمَرَ: وَلو انفرد واحدٌ منهما بِذَلِكَ لكان حُجَّةً، فكيف وَقد اتَّفقَا عَلَى ذَلِكَ؟! ويُصحِّحُ ذَلِكَ قضاءُ أميرِ المؤمنين عُمَرَ بنُ الخطَّابِ بالقَوَدِ. وتأوَّلَه الأَصِيليُّ بأنَّه لَمَّا وَجَب قَتْلُها تطوَّعَ عاقِلَتُها ببذْلِ الدِّيَةِ لِأولياءِ المقتولةِ، وَقد يكون ذَلِكَ قَبْلَ موتِها، فقضَى عليهم بأداءِ مَا تطوَّعُوا به لِأولياءِ المقتولةِ. وَذَكَرَ ابنُ بطَّالٍ فِي بابِ جنينِ المرأةِ عن بعضِ مشايخِه: أحاديثُ إيجابِها عَلَى العَاقِلَةِ أصحُّ مِن حَدِيْثِ ابنِ عُيَينةَ وغيرِه لأنَّه لم يذكُرْ فِيْهِ قَتْلَ الضَّاربةِ، وَكذلكَ رواه الحُمَيْديُّ، وفي حَدِيْثِ حَمَلٍ قبلَهما.
          فَصْلٌ: اختُلف عَلَى حَمَلٍ فِي حديثِه هذا، فَرَوَى شُعْبةُ عَن قَتَادةَ عن أبي المَلِيح الهُذَليِّ عَن حَمَلِ بن مالكٍ قَالَ: كَانَتْ لي امرأتانِ فَرَمَتْ إحداهما الأُخرى بِحَجَرٍ فأصابَتْها فَقَتَلَتْها وَهي حاملٌ، فألقتْ جنينًا وَماتت، ((فقضى ◙ بالدِّيَة عَلَى العَاقِلة، وَقَضَى فِي الجنينِ بِغُرَّةِ عبدٍ أو أَمَةٍ، أو مئةٍ من الشَّاءِ أو عشرين مِن الإبل)) فجَعَلَ الطَّحاويُّ حَدِيْثَ حَمَلٍ هَذَا الأعرابيِّ مختلَفًا فِيْهِ، فكان بمنزلة مَا لم يَرِد فِيْهِ شيءٌ، وَحَدِيْثُ حَمَلٍ هَذَا ألزَمَ الدَّارَقُطنيُّ الشَّيخينِ تخريجَه لِصِحَّةِ الطَّريقِ إليه، قَالَ: وثبتَ مَا رَوَى أبو هُرَيرةُ والمغيرةُ، قَالَ: وفي حُكْمِهِ فِي الجنينِ بِغُرَّةٍ ولم يحكمْ فِيْهِ بكفَّارةٍ حجَّةٌ لأبي حنيفَةَ ومالكٍ على الشَّافعيِّ فِي إيجابِها.
          قلتُ: لا كفَّارةَ في الأصلِ، ولم يختلف الحَدِيْثُ عن أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ فِي ذَلِكَ إِلَّا مِن نَصِّهِ، فلم يَذكُرْ دِيَةَ المرأةِ، وكذلك لم يَختلفْ فِي ذَلِكَ أَيضًا مِن حَدِيْثِ المغيرةِ.
          فَصْلٌ: مِن الأحاديثِ الباطلةِ الَّتِي نبَّهَ أبو حاتمٍ عليها حَدِيْثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مرفُوعًا: ((فِي السِّقْطِ غُرَّةٌ)) قَالَ أبو حاتمٍ: باطلٌ.
          فَصْلٌ: قال ابنُ عبدِ البَرِّ: جمهورُ النَّاسِ عَلَى أَنَّ الميراثَ فِي هَذه الصُّورةِ لِلْوَرَثَةِ والعقلَ عَلَى العَصَبةِ، وَلم تختلف الرِّواياتُ عَن رَسُوْلِ الله صلعم أنَّه قضَى فِي الجنين سَقَط ميِّتًا بِضَرْبِ بطنِ أُمِّه ففِيْهِ حين رَمتْهُ غُرَّةٌ، هَذَا مَا لم يَختلِفْ فِيْهِ أحدٌ، قَالَ: وأجمعَ العُلماءُ عَلَى أَنَّ الغُرَّةَ واجبةٌ فِي الجنينِ الَّذِي يَسقُطُ مِن بطْنِ أمِّه ميِّتًا وَهي حيَّةٌ فِي حِين سقوطِه، وأنَّ الذَّكَرَ والأنثى فِي ذَلِكَ سواءٌ فِي كلِّ واحدٍ مِنهما غُرَّةٌ.
          واختلفوا عَلَى مَن تَجِب _أعني الغُرَّةَ_ فِي ذَلِكَ، فقالت طائفةٌ منهم مالكٌ والحسَنُ بن حيٍّ: هي فِي مَالِ الجاني مع الكَفَّارَةِ، وهو قولُ الحسَنِ والشَّعبيِّ ورُوِي ذَلِكَ عن عُمَرَ، وهو قولُ إبراهيمَ وعَطَاءٍ والحَكَمِ، ومِن حُجَّتهم قولُه فِي الحَدِيْثِ: فقال الَّذِي قَضَى عليه: كيف أَغْرَمُ؟ وهَذَا يدلُّ أَنَّ الَّذِي قَضَى عليه معيَّنٌ وأنَّه واحدٌ وَهو الجاني، لا يقتضي ظَاهرُ اللَّفظ غيرَه، وَلو أَنَّ دِيَةَ الجنينِ قَضَى بها عَلَى العَاقِلةِ لَقالَ فِي الحَدِيْثِ: فقال الَّذِين قَضَى عليهم. قلتُ: قد وَرَدَ: فقال رجلٌ مِن عَصَبَةِ القَاتِلةِ.
          ومِن القياسِ أَنَّ كلَّ جانٍ جِنايتُه عليه إِلَّا مَا قام بخلافِه الدَّليلُ الَّذِي لا يُعَارَضَ مِثْلُ إجماعٍ لا يجوزُ خِلافُه، أو نصِّ سنَّةٍ مِن جهةِ نَقْلِ الآحادِ العُدولِ الَّتِي لا مُعَارِضَ لها، فيجِبُ الحُكْمُ لها.
          وقال آخَرونَ: هي عَلَى العاقلةِ، وممَّن قاله الثَّوريُّ والنَّخَعيُّ وأبو حنيفَةَ والشَّافعيُّ وأصحابُهم، وهو قولُ إبراهيمَ أَيضًا وابنِ سِيرينَ، ومِن حُجَّتِهم حديثُ المغيرةِ الَّذِي فِيهِ: ((وجعلَ الغُرَّة عَلَى عاقلةِ المرأة)) قال ابنُ عبدِ البَرِّ: وَهو نصٌّ ثابتٌ صحيحٌ فِي موضعِ الخلافِ يجِبُ الحكمُ به، ولَمَّا كَانَت دِيَةُ المرأةِ مضروبةً عَلَى العاقلةِ كَانَ الجنينُ أحرى بِذَلِكَ فِي القياسِ والنَّظَرِ.
          فَصْلٌ: فإنْ لَمْ تُلْقِهِ وَماتتَ وَهو فِي جوفِها لمْ يخرُجْ فَلا شيءَ فِيْهِ، وَهَذَا أَيضًا إجماعٌ.
          فَصْلٌ: واختلفوا فِي قيمةِ الغُرَّةِ، فقال مالكٌ: تُقوَّمُ بخمسين دينارًا أو ستِّ مئةِ درهمٍ نِصْفِ عُشْرِ دِيَةِ الحُرِّ المسلم الذَّكر، وَعُشْرِ دِيَةِ أُمِّه الحرَّةِ، وَهو قولُ الزُّهْرِيِّ ورَبِيعةَ وسائرِ أهلِ المدينةِ، وحُجَّتُه أنَّه ◙ لَمَّا حَكَمَ فِي الجنينِ بالغُرَّةِ جَعَلَ الصَّحابةُ قيمةَ ذَلِكَ خَمْسًا مِن الإبِلِ وَهو عُشْرُ دِيَةِ أُمِّهِ، وذَلِكَ مَا ذُكِرَ مِن الذَّهبِ والفِضَّة.
          وروايةُ أَهْلِ الحجاز أنَّهم قوَّمُوا الدِّيَةَ اثني عَشَرَ ألفًا أصحُّ عن عُمَرَ، وَهو مُذهبُ عُثمانَ وعليٍّ وابنِ عبَّاسٍ، وقال أبو حَنِيفةَ وأصحابُه وسائرُ الكوفيِّينَ: فيها خمسُ مئةِ دِرْهمٍ، وهو قولُ إبراهيمَ والشَّعبيِّ لأنَّ دِيَةَ المرأةِ عندهم خمسةُ آلافِ درهم عَلى مَا رُوِيَ عن عُمَرَ: أنَّه جَعَلَ الدِّيَةَ على أهلِ الوَرِقِ عَشَرةَ آلافِ دِرْهمٍ، وهو مذهبُ ابنِ مسعودٍ، وَقال مُغِيرةُ: خمسون دينارًا، وقال الشَّافعيُّ: سنُّ الغُرَّةِ سبعُ سنين أو ثمانٍ، وليس عليه أَنْ يَقْبَلَها مَعِيبةً لأنَّها لا تَستغنِي بنفْسِها دون هذا السِّنِّ ولا يُفرَّقُ بينَها وبينَ أُمِّها إِلَّا فِي هَذَا السِّنِّ وأعلى، وقال داودُ: كلُّ مَا وقع عليه اسمُ غُرَّةٍ.
          فَصْلٌ: واختلفوا فِي صِفَةِ الجنين الَّذِي تجب فِيْهِ / الغُرَّة: مَا هُوَ؟ فقال مالكٌ: مَا طَرَحَتْهُ مِن مُضْغَةٍ أو عَلَقَةٍ، أو مَا يُعْلَمُ أنَّه وَلَدٌ ففيه الغُرَّةُ، فإنْ سَقَطَ ولم يَسْتَهِلَّ ففيه غُرَّةٌ، وَسواءٌ تحرَّك أو عَطَسَ فِيْهِ الغُرَّة أبدًا حَتَّى يَسْتَهِلَّ صارخًا ففيه الدِّيَةُ كاملةً. وقال الشَّافعيُّ: لَا شيءَ فِيْهِ حَتَّى يتبيَّن مِن خَلْقِهِ شيءٌ، فإنْ عُلِمَتْ حياتُه بِحَرَكَةٍ أو بعُطَاسٍ أو باستهلالٍ أو بغيرِ ذَلِكَ ممَّا تُسَتيقنُ به حياتُه ثمَّ مات ففيه الدِّيَةُ. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: وهو قولُ سائرِ الفقهاء.
          قَالَ: وجماعةُ فقهاءِ الأمصار يقولونَ فِي المرأة إِذَا ماتتْ مِن ضرْبِ بطنِها ثمَّ خرج الجنينُ مَيِّتًا بعد موتِها: إنَّه لَا يُحْكَمُ فِيْهِ بشيءٍ وَإنَّه هدرٌ، إِلَّا اللَّيثَ وداودَ فإنَّهما قَالا: فِيهِ الغُرَّة، وَسواءٌ رَمَتْهُ قبل موتِه أو بَعدَه، المُعْتَبرُ حياةُ أُمِّه فِي وقتِ ضربِها لَا غير. احتجَّ الطَّحاويُّ عَلَى اللَّيثِ بأنْ قَالَ: قد أجمعوا _واللَّيثُ معهم_ عَلَى أنَّه لو ضربَ بطنَها وَهي حيَّةٌ فماتت والجنينُ فِي بطنِها ولم يَسقط أنَّه لا شيءَ فِيْهِ، فَكذلك إِذَا أَسْقَطَتْه بعدَ موتِها، قَالَ: وَلا يختلفون أنَّه لو ضَرَبَ بَطْنَ امرأةٍ مَيْتَةٍ حَاملٍ وألقتْ جنينًا مَيْتًا لا شيءَ فيه، فكذلك إِذَا كَانَ الضَّربُ فِي حياتِها ثمَّ ماتتْ ثمَّ أَلْقَتْهُ ميِّتًا، فبَطل بهذا قولُ اللَّيثِ.
          وأجمع الفقهاءُ عَلَى أَنَّ الجنينَ إِذَا خَرَجَ ثمَّ ماتَ وَكَانَت فِيْهِ الدِّيَةُ أَنَّ فِيْهِ الكَفَّارَةَ معها. قَال مَالكٌ: بِقَسَامةٍ، وَقال أبو حنيفَةَ: بدونِها. واختلفوا فِي الكَفَّارَةِ إِذَا خرجَ ميِّتًا، فقال مالكٌ: فِيْهِ الغُرَّةُ وَالكَفَّارَةُ وَلم يوجبِ الكَفَّارَةَ؛ لأنَّه مرَّةً قال فيمن ضربَ بطنًا فألقتْ جنينَها: هُوَ عَمْدٌ فِي الجنينِ خطأٌ فِي الأمِّ، ومَرَّةً قَالَ: هُوَ عَمْدٌ فِي الأمِّ خطأٌ فِي الجنينِ، وقال أبو حنيفَةَ والشَّافعيُّ: فِيْهِ الغُرَّةُ وَلا كفَّارةَ، وَهو قولُ داودَ.
          واختلفوا فِي كيفيَّةِ ميراثِ الغُرَّةِ عَن الجنينِ، فقال مالكٌ والشَّافعيُّ وأصحابُهما: الغُرَّةُ موروثةٌ عن الجنينِ عَلَى كتابِ اللهِ لأنَّها دِيَةٌ، وفي «المصنَّف» عَن الشَّعبيِّ: هِي لِأُمَّهِ أو لِأقربِ النَّاسِ إليه؛ ففي روايةٍ: سُئل عَن رجلٍ ضَربَ بطنَ امرأتهِ فأسقطتْ، قَالَ: عليه غُرَّةٌ، يَرِثُها وتَرِثه.
          وقال أبو حنيفَةَ وأصحابُه: الغُرَّةُ للأمِّ ليسَ لأحدٍ معها فيها شيءٌ وَليستْ دِيَةً، وإنَّما هِي بمنزلةِ جِنايةٍ جُنِيَ عليها بقطْعِ عُضْوٍ مِن أعضائِها؛ لأنَّه لم يُعْتبرْ فيها الذَّكَرُ وَالأنثى كالدِّيات فدلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَالعضوِ، وَلهذا كَانَت ذَكَاةُ الشَّاةِ ذَكاةً لِمَا فِي بطنِها مِن الأجِنَّةِ، وَلولا ذَلِكَ كَانَت ميْتةً، وَقولُ أَهْلِ الظَّاهرِ فِي هَذَا كقولِ أبي حنيفَةَ، قال داودُ: الغُرَّةُ لم يملِكْها الجنين فتُورَثَ عَنْهُ.
          قال ابنُ عبد البَرِّ: يُورَدُ عليه دِيَةُ المقتول خطأً فإنَّه لم يَملِكْها وتُورَث عَنْهُ. وَكَانَ ابنُ هُرْمُزَ يقول: دِيَتُه لأبويه خاصَّةً للذَّكرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيين، مَن كَانَ منهما حيًّا كَانَ ذَلِكَ لَه، وإنْ كَانَ أحدُهما ميتًا كَانَت للباقي منهما أبًا كَانَ أو أمًّا، لا يَرِثُ الإخوةُ شيئًا.
          فَصْلٌ: وَقد اختلَفَ الفقهاءِ فِي المولود لا يستهلُّ صارخًا إِلَّا أنَّه حينَ سَقط تحرَّكَ أو عَطَسَ ونحو ذَلِكَ، فقال بعضُهم: لا يُصلَّى عليه وَلا يَرِثُ وَلا يُورَثُ إِلَّا أَنْ يَستَهِلَّ صارخًا، وممَّن قاله مالكٌ وأصحابُه، وقال آخرون: كلُّ مَا عُرِفَتْ به حياتُه فهو كالاستهلالِ صَارخًا ويَرِث ويُورَث ويُصلَّى عليه إِذَا اسْتُوقنت حياتُه بأيِّ شيءٍ كَانَ مِن ذَلِكَ كلِّه، وَهو قولُ الشَّافعيِّ والكُوفيِّين وأصحابِهم.
          فَصْلٌ: اختصر الكلامَ عَلَى هَذَا الحَدِيْثِ هِنا ابنُ بطَّالٍ جدًّا، وقَال: ليس فيه أكثرُ مِن أنَّ الزَّوجَ يَرِثُ مع البنين، وأنَّ البنينَ يَرِثُونَ مع الزَّوجِ، وهَذا لا خلاف فِيْهِ، وَليس فيه مقدارُ ميراثِ الزَّوجِ والمرأةِ مع الولدِ، وَذلك معلومٌ بنصِّ القرآنِ في قولِه:{وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ}الآية [النساء:12].
          فَصْلٌ: قَوْلُهُ: كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لاَ شَرِبَ... إِلَى آخرِه، استدلَّ به قومٌ عَلَى كراهِيَةِ السَّجْعِ فِي الكلام، وأجاب عَنْهُ آخرونَ بأنَّه إِنَّمَا كُرِهَ هنا لأنَّه كَلامٌ اعترَضَ به قائلُه عَلَى الشَّارِعِ اعتراضَ مُنكِرٍ، ولا يحلُّ لمسلمٍ أَنْ يفعلَه، وإنَّما تَرَكَ الشَّارعُ التَّغليظَ فِي هَذَا الإنكارِ لأنَّه كَانَ أعرابيًّا لا عِلمَ له بالكتاب، وتلك سِمتُهُ أَنْ يُعْرِضَ عن الجاهلين ولا يَنْتَقِمَ لنفْسِهِ.
          فَصْلٌ: فِي قولِه: ((إِنَّمَا هَذَا مِنْ إِخْوَانِ الكُهَّانِ)) دَليلٌ عَلَى أنَّهم كانوا يسجَعُون أو كَانَ غالبًا فيهم، وهَذَا قولٌ معروفٌ يُغني عَن الاستشهادِ عليه، وفي ابنِ أبي شَيْبةَ مِن حَدِيْثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺: ((إنَّ هَذَا يقولُ بِقَوْلِ شاعرٍ)) وَقد سَلَفَ أنَّه قَالَ: ((أسجْعٌ كسَجْعِ الأعرابِ؟!)).
          فَصْلٌ: الجَنِينُ اسمٌ لِمَا يَجِنُّ فِي بطنِ المرأةِ، أَي يَسْتَتِرُ، قال ابْنُ سِيْدَه: جَنَّ الشَّيءَ يَجُنُّهُ جَنًّا، وأَجَنَّهُ سَتَرَهُ، وكلُّ شيءٍ سُتِرَ عنك فقد جُنَّ عنكَ، وجمْعُ الجنين أَجِنَّةٌ وأَجْنُن بإظهار التَّضعيف، وَقد جنَّ الجنينُ فِي الرِّحم يَجِنُّ جنًّا، وَأَجَنَّتْهُ الحامِلُ.
          فائِدَةٌ: الجنينُ أَيضًا: الكَفَنُ والقَبْرُ.
          فَصْلٌ: قَال مالكٌ: أُرَى أَنَّ فِي جنينِ / الأَمَةِ عُشْر ثمنِ أُمِّهِ، قال ابنُ عبد البرِّ: يريد جنينَ المرأةِ مِن غيرِ سيِّدِها، وذَهبَ مالكٌ والشَّافعيُّ وأصحابُهما إِلَى أَنَّ فِي جنينِها مَا تقدَّم ذَكَرًا كَانَ أو أُنثى، زاد الشَّافعيُّ: يومَ جُنِيَ عليها؛ لأنَّه ◙ قَضى فِي الجنين بِغُرَّةٍ وَلم يفرِّقْ بينَ ذَكرٍ وأُنثى، قلتُ: قد سلفَ مِن حَدِيْثِ أبي المُليح أنَّه كَانَ غلامًا.
          قال المُزَنيُّ: القياسُ عَلَى أصلِ الشَّافعيِّ عُشْرُ قيمةِ أُمِّهِ يوم تُلْقِيهِ، قَالَ: ولا أعرفُ أَن تُدفَعَ عَن الغُرَّةِ قيمةٌ إِلَّا أَنْ تكونَ بموضِعٍ لَا توجدُ فِيْهِ، وقال أبو حنيفَةَ: إنْ خَرَجَ الجنينُ مِن الأَمَةِ _مِن غيرِ سيِّدها_ حيًّا ثمَّ مَات ففيه قيمتُهُ. قَالَ أبو عُمَرَ: لم يختلفوا فِيهِ، فإنْ خرج ميِّتًا فإنْ كَانَ ذكرًا كَانَ فِيْهِ نِصفُ عُشْرِ قيمتِه لَو كَانَ حيًّا، وإنْ كَانَت أنثى فيها عُشْرُ قيمتِها لو كَانَت حيَّةً، قال أبو جعفرٍ: وَهو قولُ أبي حنيفَةَ وَمحمَّدٍ، ولم يَحْكِ محمَّدٌ عَن أبي يُوسُفَ فِي ذَلِكَ خلافًا.
          وَرَوَى أصحابُ الإمْلاءِ عَن أبي يُوسُفَ أنَّه قَالَ: فِي جنينِ الأَمَةِ ألقتْه ميِّتًا ما نَقَصَ أُمَّهُ، كما يكون فِي أَجِنَّة البهائم. وَقال الحسَنُ كقولِ مالكٍ، وَقال الحَكَمُ: كانوا يأخذونَ جَنينَ الأَمَةِ مِن جنينِ الحُرَّة. وعن ابنِ المسيِّب: في جنينِ الأَمَة عَشَرةُ دَنَانِيرَ. وعن حمَّادٍ: فِيْهِ حُكُومَةٌ.
          قَال مالكٌ: وإِذَا قَتَلَتِ الحامِلُ رجلًا أو امرأةُ عَمْدًا لم تُقدْ به حَتَّى تَضَعَ حمْلَها. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: وَهَذَا إجماعٌ مِن العلماءِ وسُنَّةٌ مسنونةٌ لأنَّه ◙ لم يَرْجُمِ الحَاملَ المعترِفَةَ بالزِّنا حَتَّى وَضَعَتْ. وسُئلَ مالكٌ عَن جنينِ اليهوديَّةِ أو النَّصرانيَّةِ يُطْرَحُ، فَقال: أنا أرى فِيْهِ عُشْرَ دِيَةِ أُمِّه. وَهو قولُ الشَّافعيِّ، وأمَّا أبو حنيفَةَ فقال: هُوَ كجنينِ المسلمةِ سواءً، وَهو قولُ الأوزاعيِّ.
          واختلفوا فِي الجنينِ يَخرُجُ مِن بطنِ أُمِّه ميِّتًا، وقد ماتتْ مِن ضَرْبِ بطنِها، فقال مالكٌ والشَّافعيُّ وأصحابُهما: لا شيء فِيهِ مِن غُرَّةٍ ولا غيرِها إِذَا ألقتْهُ بَعْدَ موتِها مَيِّتًا، وَقال رَبِيعةُ واللَّيثُ: فِيهِ الغُرَّة، رُوي ذَلِكَ عن الزُّهْرِيِّ. قال أبو عُمَرَ: قولُ أشهبَ فِي هَذَا كقولِ اللَّيثِ، وقد أجمعوا أنَّها لو ماتتْ مِن الضَّرْبِ ولم تُلْقِ الجنينَ أنَّه لا شيءَ فِيْهِ، وكذلك أجمعوا أنَّه لو ضرَبَ بطن امرأةٍ ميِّتَةٍ فألْقت جنينًا ميِّتًا لا شيء فِيْهِ.
          فَصْلٌ: ترجم البُخَاريُّ عَلَى هَذَا فِي الدِّياتِ بابُ جنينِ المرأةِ [خ¦6904] وبابُ جنينِ المرأةِ وأنَّ العَقْلَ عَلَى الوالِد وعَصَبَةِ الوالِدِ لا عَلَى الوَلَدِ، وسيأتي كلامُ ابنِ بطَّالٍ فِي هذه التَّرجمةِ.
          وقال الإسماعيليُّ: ليس فِيهِ إيجابُ العَقْلِ عَلَى الوالِدِ، فإنْ أرادَ الوالِدَةَ الَّتِي كانت هِي الجانيةَ فقد يكون الحكمُ عليها، وإِذَا ماتتْ أو عاشتْ فالعَقْلُ عَلَى عَصَبَتِها، وَفي هَذَا يَبَانُ إِخْراجُ الابنِ مِن العَصَبَةِ، وذَكَرَ فِي الأوَّلِ حَدِيْثَ عُمَرَ ☺ فِي إمْلَاصِ المرأةِ _وَهو بالصَّادِ المهمَلَةِ_ وَهو أَنْ يَزْلَقَ الجنينُ قَبْلَ وقتِ الولادةِ، وكلُّ مَا زَلِقَ مِن اليدِ فقد مَلِصَ وأَمْلَصَ، أَمْلَصْتُهُ أنا.
          قال أبو عُبَيدٍ: وهو إلقاءُ المرأةِ جَنِينَها ميِّتًا، يُقال فِيهِ: أَمْلَصتِ المرأة إِمْلاصًا، وإنَّما سُمِّي بِذَلِكَ لأنَّها تَزْلِقُهُ، وَلهذا قيل: أَزْلَقَتِ النَّاقةُ وغيرُها، وكلُّ شيءٍ زَلِقَ مِن يدِكَ فَقد مَلِصَ يَمْلَصُ مَلَصًا وأَمْلَصْته إِمْلَاصًا.
          وفي «المحكم»: أَمْلَصَتْ ألقتِ النَّاقةُ والمرأةُ ولدَها بغيرِ تمامٍ، والجمعُ مماليص بالياء، فإِذَا كَانَ ذَلِكَ لها عادةً فهي مِمْلاصٌ، والولَدُ مُمْلَصٌ ومَلِيصٌ، ومَلِص الشَّيءُ مِن يدي مَلَصًا فهو أمْلَصُ ومَلِصٌ ومَلِيصٌ، وتملَّصَ زلَّ لِمَلاسَتِهِ، وخصَّ به اللِّحْيَانِيُّ الرِّشَاءَ والعِنَان والحَبْلَ.
          وقَالَ الجَوهَرِيُّ: المَلَصُ _بالتَّحريكِ_ الزَّلَقُ، وقد مَلِصَ الشَّيءُ مِن يدِي بالكسْرِ يَمْلَصُ، وانْمَلَصَ الشَّيء أَفْلتَ، وتُدْغم النُّونُ فِي الميم.
          وقال القزَّاز: المَلَصُ مصدرُ مَلِص الشَّيءُ يَمْلَصُ مَلَصًا إِذَا سَقَط متزَلِّجًا فهو مَلِصٌ، وكلُّ شيء زَلِقَ مِن يدك فهو مَلِصٌ، قالوا: والإِمَلَاصُ أَنْ تُلقِيَ الجنينَ ميِّتًا، والوليدُ مَلِيصٌ، وَهو أحدُ مَا جاء عَلَى فعيلٍ مِن أَفْعَلَ. قال المُطَرِّزِيُّ فِي «الْمُغْرِب»: ومَن فسَّر الإِمْلَاصَ بالجنينِ فقد سَهَا، وقال الدَّاودِيُّ: الإملاصُ السِّقط مثلَّثُ السِّين.