شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول النبي: «لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء»

          ░25▒ بابُ قَوْلِ النَّبيِّ صلعم: (لَا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ).
          فيه: عَبْدُالرَّحْمَنِ، سَمِعَ مُعَاوِيَةَ، يُحَدِّثُ رَهْطًا مِنْ قُرَيْشٍ بِالْمَدِينَةِ، وَذَكَرَ كَعْبَ الأَحْبَارِ، فَقَالَ: إِنْ كَانَ مِنْ أَصْدَقِ هَؤُلاءِ الْمُحَدِّثِينَ الَّذين يُحَدِّثُونَ عَنْ(1) الْكِتَابِ، وَإِنْ كُنَّا مَعَ ذَلِكَ لَنَبْلُو عَلَيْهِ الْكَذِبَ. [خ¦7361]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: ((كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَؤونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الإسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، {وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ}[العنكبوت:46]الآيَةَ)). [خ¦7362]
          وفيه: ابنُ عَبَّاس، قَالَ: كَيْفَ تَسْأَلُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ وَكِتَابُكُمِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى رَسُولِهِ أَحْدَثُ، تَقْرَؤُونَهُ مَحْضًا لَمْ يُشَبْ، وَقَدْ حَدَّثَكُمْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بَدَّلُوا كِتَابَ اللهِ وَغَيَّرُوهُ، وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمُ الْكِتَابَ، وَقَالُوا: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ، لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا، أَلَا يَنْهَاكُمْ مَا جَاءَكُمْ مِنَ الْعِلْمِ عَنْ مَسْأَلَتِهِمْ؟ لَا وَاللهِ مَا رَأَيْنَا مِنْهُمْ رَجُلًا يَسْأَلُكُمْ عَنِ الَّذي أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ. [خ¦7363]
          قال / المُهَلَّب: قولُه صلعم: (لَا تَسْأَلُوا أَهْلَ الكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ) إنَّما هو في الشَّرائع لا تسألوهم عن شرعِهم فيما لا نصَّ فيه(2) مِن شرعنا لنعمل به، لأنَّ شرعنا مكتف(3) وما لا نصَّ فيه عندنا ففي النَّظر والاستدلال ما يقوم الشَّرع منه. وأمَّا سؤالهم عن الأخبار المصدِّقة لشرعنا وما جاء به نبينا صلعم مِن الأخبار عن الأمم السَّالفة فلم نُنْه عنه.
          فإن قيل: فقد أمر الله نبيَّهُ(4) صلعم بسؤال أهل الكتاب فقال تعالى: {فَإِنْ كُنتَ في شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذين يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ}[يونس:94].
          قيل: ليس هذا بمفسد لما تقدَّم من النَّهي عن سؤالِهم، لأنَّه صلعم لم يكن شاكًّا ولا مرتابًا، وقال أهل التَّأويل: الخطاب للنَّبيِّ صلعم والمراد به غيرُه مِن الشُّكَّاك كقولِه تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء}[الطلاق:1]، وتقديرُه: إن كنت أيُّها السَّامع في شكٍّ ممَّا أنزلنا على نبيِّنا. كقولهم: إن كنت ابني فبرَّني. وهو يعلم أنَّه ابنه.
          فإن قيل: فإذا كان المراد بالخطاب غير النَّبيِّ صلعم فكيف يجوز سؤال الَّذين يقرؤون الكتاب مع جحد أكثرهم للنُّبوَّة(5)؟ ففيه قولان: أحدُهما: سل مَن آمن مِن أهل الكتاب كابن سلام وكعب الأحبار، عن ابن عباس والضحَّاك ومجاهد وابن زيد. الثاني: سلهم عن صفة النَّبيِّ المبشَّر به في كتبِهم، ثم انظر ما يوافق تلك الصِّفة.


[1] زاد في المطبوع: ((أهلِ)).
[2] في (ص): ((لا نعرفه)).
[3] في (ص): ((مكتف بنفسه)).
[4] في (ص): ((رسولهُ)).
[5] في (ص): ((مع جحدهم النبوة)).