شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الحجة على من قال: إن أحكام النبي كانت ظاهرة

          ░22▒ بابُ الْحُجَّةِ عَلَى مَنْ قَالَ: إِنَّ أَحْكَامَ النَّبيِّ صلعم كَانَتْ ظَاهِرَةً، وَمَا كَانَ يَغِيبُ بَعْضُهُمْ مِنْ مَشَاهِدِ(1) النَّبيِّ صلعم وَأُمُورِ الإسْلامِ.
          فيه: أَبُو مُوسَى (أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَى عُمَرَ فَوَجَدَهُ مَشْغُولًا، فَقَالَ عُمَرُ: أَلَمْ أَسْمَعْ صَوْتَ عَبْدِ اللهِ بْنِ قَيْسٍ ☺؟ ائْذَنُوا لَهُ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ(2): إِنَّا كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا، قَالَ: فَأْتِنِي عَلَى هَذَا بِبَيِّنَةٍ، أَوْ لَأَفْعَلَنَّ بِكَ، فَانْطَلَقَ إِلَى مَجْلِسٍ مِنَ الأنْصَارِ، فَقَالُوا: لَا يَشْهَدُ إِلَّا أَصَاغِرُنَا، فَقَامَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، فَقَالَ: كُنَّا نُؤْمَرُ بِهَذَا، فَقَالَ عُمَرُ: خَفِيَ عَلَيَّ هَذَا مِنْ أَمْرِ النَّبيُّ صلعم أَلْهَانِي الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ). [خ¦7353]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: (إِنَّكُمْ تَزْعُمُونَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ عَنِ النَّبيِّ صلعم وَاللهُ الْمَوْعِدُ، إِنِّي كُنْتُ(3) امْرأً مِسْكِينًا أَلْزَمُ النَّبيَّ صلعم عَلَى مِلْءِ بَطْنِي، وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالأَسْوَاقِ، وَكَانَتِ الأنْصَارُ يَشْغَلُهُمُ الْقِيَامُ عَلَى أَمْوَالِهِمْ، فَشَهِدْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم ذَاتَ يَوْمٍ، وَقَالَ: مَنْ يَبْسُطْ(4) رِدَاءَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي، ثُمَّ يَقْبِضْهُ، فَلَنْ يَنْسَى شَيْئًا سَمِعَهُ مِنِّي، فَبَسَطْتُ بُرْدَةً، كَانَتْ عَلَيَّ، فَوَالَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ، مَا نَسِيتُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْهُ). [خ¦7354]
          هذا الباب يُرَدُّ به على الرَّافضة(5) وقوم مِن الخوارج زعموا بأنَّ أحكام النَّبيِّ صلعم وسننَه منقولة عنه نقل تواتر، وأنَّه لا سبيل إلى العمل بما لم ينقل نقل تواتر، وقولُهم في غاية الجهل بالسُّنن وطرقِها، فقد صحَّت الآثار أنَّ أصحاب النَّبيِّ صلعم أخذ بعضُهم السُّنن مِن بعض ورجع بعضُهم إلى ما رواه غيرُه عن النَّبيِّ صلعم وانعقد الإجماع على القول بالعمل بأخبار الآحاد، وبطل قول مَن خرج عن ذلك مِن أهل البدع، هذا أبو بكر الصِّدِّيق على مكانه لم يعلم النَّصَّ في الجدَّة حتى أخبرَه محمد بن مسلمة والمغيرة بالنَّصِّ فيها فرجع إليه، وأخذ عُمر ابن الخطَّاب بما رواه عبد الرَّحمن بن عوف في حديث الوباء فرجع إليه، وكذلك أخذ أيضًا عُمر بما رواه أبو موسى في دية الأصابع فرجع إليه(6)، وأخذ عمر أيضًا(7) بما رواه المغيرة بن شعبة ومحمد بن مسلمة في دية الجنين، ورجع عمر إلى أبي موسى وأبي سعيد في الاستئذان، وابن عمر يحكي عن رافع بن خَدِيج النَّهي عن المخابرة فرجع إليه، والصَّحابة ترجع إلى قول عائشة ♦: ((إِذَا الْتَقَى الخِتَانَانِ وَجَبَ الغُسْلُ)) وأيضًا ترجع إليها في أنَّ النَّبيَّ صلعم كان يصبح جنبًا مِن جماع غير احتلام ثمَّ يصوم، وأبو موسى يرجع إلى حديث ابن مسعود في ابنة وابنة ابن / وأخت وهذا الباب أكثر مِن أن يحصى.


[1] في (ص): ((مشاهدة)).
[2] في (ص): ((قال)).
[3] قوله: ((كنت)) ليس في (ص).
[4] في (ص): ((بسط)).
[5] في (ص): ((الرافضية)).
[6] قوله: ((وكذلك أخذ أيضاً عمر بما رواه أبو موسى في دية الأصابع فرجع إليه)) ليس في (ص).
[7] في (ص): ((أيضاً عمر)).