شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب إثم من آوى محدثًا

          ░6▒ بابُ إِثْمِ مَنْ آوَى مُحْدِثًا
          رَوَاهُ عَلِيٌّ، عَنِ النَّبيِّ صلعم.
          فيه: أَنَسٌ: (حَرَّم النَّبيُّ صلعم الْمَدِينَةَ؟ فقَالَ: لَا يُقْطَعُ شَجَرُهَا، وَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ). [خ¦7306]
          وَقَالَ مُوسَى بنُ أَنَسٍ عن أبيه: أَوْ آوى مُحْدِثًا.
          في هذا الحديث فضل عظيم للمدينة، وذلك تغليظ الوعيد بلعنة الله والملائكة والنَّاس أجمعين لمَن أحدث فيها حدثًا أو آوى محدثًا، وفي حديث علي: ((لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صِرْفٌ وَلَا عَدْلٌ)) ذكره في آخر كتاب الحج، ودلَّ الحديث على(1) أنَّه مَن آوى أهل المعاصي والبدع أنَّه شريك في الإثم، وليس يدلُّ الحديث على أنَّ مَن أحدث حدثًا أو آوى محدثًا في غير المدينة أنَّه غير متوعَّد ولا ملوم على ذلك، لتقدُّم العلم بأنَّ مَن رضي فعل قوم وعملَهم أنَّه منهم وإن كان بعيدًا عنهم.
          فهذا الحديث نصٌّ في تحذير فعل شيء مِن المنكر في المدينة وهو دليل في التَّحذير مِن إحداث مثل ذلك في غيرِها، وإنَّما خُصَّت المدينة بالذِّكر في هذا الحديث لأنَّ اللعنة على مَن أحدث فيها حدثًا أشدُّ والوعيد له آكد، لانتهاكِه ما حذَّر / عنه، وإقدامِه على مخالفة رسول الله صلعم فيما كان يلزمُه مِن تعظيم شأن المدينة الَّتي شرَّفها الله تعالى بأنَّها منزل وحيِه وموطن نبيِّه صلعم، ومنها انتشر الدِّين في أقطار الأرض فكانت(2) لها بذلك فضل مزيَّة على سائر البلاد، وقد تقدَّم اختلاف العلماء فيما يجوز قطعُه مِن شجر المدينة، وما يجوز مِن الصَّيد في حرمِها في آخر كتاب الحج(3).


[1] قوله: ((على)) ليس في (ص).
[2] في (ص): ((فكان)).
[3] قوله: ((اختلاف العلماء فيما... الصيد في حرمها في)) ليس في (ص).