شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول الله تعالى: {أو يلبسكم شيعًا}

          ░11▒ بابُ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا}[الأنعام:65]
          فيه: جَابِرٌ: (لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى النَّبيِّ صلعم: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ}، قَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ(1) {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}، قَالَ: أَعُوذُ بِوَجْهِكَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ(2): {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ}[الأنعام:65]، قَالَ: هَاتَانِ أَهْوَنُ و أَيْسَرُ). [خ¦7313]
          ذكر المفسِّرون في قولِه تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ}، قالوا: يحصبكم بالحجارة أو يغرقكم بالطوفان الَّذي غرَّق به قوم نوح {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ}، الخسف الَّذي نال قارون ومَن خسف به، وقيل: الرِّيح {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا} يعني: يخلط أمركم فيجعلكم مختلفي الأهواء، يقال: لبست عليكم الأمر ألبستُه إذا لم أبيِّنه، ومعنى شيعًا أي: فرقًا، لا نكون شيعة واحدة. {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ}[الأنعام:65]، يعني بالحرب والقتل، ويروى أنَّ النَّبيَّ صلعم سأل ربَّه ╡ أن لا يستأصل أمَّته بعذاب، ولا يذيق بعضهم بأس بعض، فأجابَه ╡ في صرف العذاب ولم يجبه في أن لا يذيق بعضَهم بأس بعض وأن لا تختلف، فلذلك قال صلعم: (هَاتَانِ أَهْوُنُ وَأَيْسَرُ) أي الاختلاف والفتنة أيسر مِن الاستئصال والانتقام بعذاب الله، وإن كانت الفتنة مِن عذاب الله لكن هي أخف، لأنَّها كفارة للمؤمنين، أعاذنا الله مِن عذابِه ونقمِه.


[1] قوله: ((أَعُوذُ بِوَجْهِكَ)) ليس في (ص).
[2] قوله: ((أَعُوذُ بِوَجْهِكَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ)) ليس في (ص).