شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول النبي: «بعثت بجوامع الكلم»

          ░1▒ بابُ قَوْلِ النَّبيِّ صلعم: (بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ)
          فيه: أَبو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ، وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ، وَبَيْنَا أَنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُنِي أُتِيتُ بِمَفَاتِيحِ خَزَائِنِ الأرْضِ، فَوُضِعَتْ فِي يَدِي). [خ¦7273]
          قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَدْ ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَأَنْتُمْ تَلْغَثُونَهَا، أَوْ تَرْغَثُونَهَا، أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُهَا.
          فيه(1): أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ النَّبيُّ صلعم: (مَا مِنَ الأنْبِيَاءِ نَبِيٌّ إِلَّا قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ أُومِنَ أَوْ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإنَّما كَانَ الَّذي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحَاهُ اللهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنِّي أَكْثَرُهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ). [خ¦7274]
          أي: صُدِّقَ بتلك الآيات لإعجازِها لمَن شهدَها، كقلب العصا حيَّة، وفلق(2) البحر لموسى ╕ وكإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى لعيسى ╕، وكان الَّذي أُعطيت أنا وحيًا أوحاه الله إليّ / فكان آية باقية دُعِي إلى الإتيان بمثله أهل التَّعاطي له ومَن نزل بلسانِهم فعجزوا عنه، ثمَّ بقي آية ماثلة للعقول إلى مَن يأتي إلى يوم القيامة، يرون إعجاز النَّاس عنه رأي العين، وللآيات(3) الَّتي أوتيها غيرُه مِن الأنبياء قبلَه رُئِيَ إعجازُها في زمانِهم ثم لم تصحبهم إلا مدَّة حياتهم وانقطعت بوفاتهم، وكان القرآن باقيًا بعد النَّبيِّ صلعم يتحدَّى النَّاس إلى الإتيان بمثلِه، ويعجزهم على مرور الأعصار فكان آية باقية لكل مَن أتى، فلذلك رجا أن يكون أكثرَهم تابعًا(4) يوم القيامة، مع أنَّ الله ╡ قد ضمَّن هذه الآية ألا يدخلَها الباطل إلى أن تقوم السَّاعة بقولِه تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}[الحجر:9]، وضمِن نبيُّنا صلعم بقاء شريعتِه وإن ضَيَّعَ بعضَها قومٌ بقولِه: ((لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ)).
          وقولُه: (وَأَنْتُمُ تَلْغَثُونَهَا أَوْ تَرْغَثُونَهَا) شكَّ في أيِّ الكلمتين قال النَّبي صلعم فأمَّا لغث باللَّام فلم أجدْه فيما تصفَّحت مِن اللغة، وأمَّا رغث بالراء فهو معروف عندهم يقال: رغثت كلُّ أنثى ولدَها وأرغثتْه أرضعتَه فهي رغوث.


[1] في (ص): ((وفيه)).
[2] في (ص): ((فرق)).
[3] في (ص): ((والآيات)).
[4] زاد في (ص): ((في)).