مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب {وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله}

          ░16▒ باب {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ} [الأعراف:43] الآيتين
          ثم ساق حديث ابن عازب السالف قال: رأيت النبي صلعم يوم الخندق ينقل معنا التراب وهو يقول:
          والله لولا الله ما اهتدينا
          الأبيات.
          في هاتين الآيتين والحديث نص أن الله تعالى انفرد بخلق الهدى والضلال، وإنه أقدر العباد على اكتساب ما أراد منهم اكتسابهم له من إيمان أو كفر، وأن ذلك ليس بخلق للعباد كما زعمت القدرية.
          وروي عن علي أنه لقي رجلاً من القدرية، فقال له: خالفتم الله، وخالفتم الملائكة، وخالفتم أهل الجنة، وخالفتم أهل النار، وخالفتم الأنبياء، وخالفتم الشيطان. فأما خلافكم الله فقوله: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}الآية [القصص:56]. وأما خلافكم الملائكة فقوله: {لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة:32]، وأما خلافكم أهل الجنة فقولهم: {الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا}الآية [الأعراف:43]، وأما خلافكم لأهل النار فقولهم: {رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا}الآية [المؤمنون:106]، وأما خلافكم الشيطان، فقول إبليس: {رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي} [الحجر:39].
          وذكر الآجري بإسناده عن علي: أن رجلاً أتاه فقال: أخبرني عن القدر فقال: طريق [مظلم]، فلا تسلكه. قال: أخبرني عن القدر قال: بحر عميق فلا تلجه، قال: أخبرني عن القدر، قال: سر الله فلا تكلفه. ثم ولى الرجل غير بعيد، ثم رجع فقال لعلي: في المشيئة الأولى أقوم وأقعد وأقبض وأبسط، فقال له علي: إني سائلك عن ثلاث خصال، ولن يجعل الله لك مخرجاً، أخبرني أخلقك الله لما شاء أو لما شئت؟ قال: بل لما شاء، قال: أخبرني أفتحيا يوم القيامة كما شاء أو كما شئت؟ قال: بل كما شاء، قال: أخبرني أجعلك الله كما شاء أو كما شئت؟ قال: بل كما شاء. قال: فليس لك من المشيئة شيء.
          وقال محمد بن كعب القرظي: لقد سمى الله المكذبين بالقدر باسم نسبهم إليه في القرآن، فقال: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ} إلى قوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49] فهم المجرمون.
          قال والدي ⌂:
          (باب قوله {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا}) [الأنبياء:95] وقال: {لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ} [هود:36] وقال: {وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا} [نوح:27]، والغرض من هذه الآيات أن الإيمان والكفر بتقدير الله تعالى.
          قوله: (منصور بن النعمان) في النسخ هكذا لكن قالوا صوابه منصور بن المعتمر السلمي الكوفي. قال ابن عباس: معنى حرم باللغة الحبشية وجب.
          قوله: (محمود بن غيلان) بفتح المعجمة وسكون التحتانية وبالنون و(ابن طاوس) عبد الله و(اللمم) بفتحتين صغار الذنوب وأصله ما يلم به / الشخص من شهوات النفس والمفهوم من كلام ابن عباس أنه النظر والمنطق. الخطابي: يريد به المعفو عنه المستثنى في كتاب الله: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم:32] وسمى المنطق والنظر زناً لأنهما من مقدماته وحقيقته إنما تقع بالفرج.
          قوله: (لا محالة) بفتح الميم أي: لا بد له من ذلك ولا تحول له عنه و(تمنى) فعل مضارع بحذف إحدى التاءين.
          فإن قلت: التصديق والتكذيب من صفات الأخبار؟ قلت: إطلاقهما هنا على سبيل التشبيه مر في أوائل كتاب بدء السلام.
          قوله: (شبابة) بفتح المعجمة وخفة الموحدة الأولى ابن سوار بفتح المهملة وشدة الواو وبالراء الفزاري روى عنه محمود و(ورقاء) مؤنث الأورق بالواو والراء والقاف ابن عمر الخوارزمي سكن المدائن و(الحميدي) بضم الحاء عبد الله و(عمرو) هو ابن دينار.
          قوله: (رؤيا عين) أي: في اليقظة لا رؤيا منام و(الزقوم) شجرة بجهنم طعام أهل النار.
          قوله: (احتج) أي: تحاج وتناظر و(خيبتنا) أي: أوقعتنا في الخيبة وهي الحرمان أي كنت سبب الخيبة وفيه نسبة الشيء إلى السبب والمراد بالجنة التي أخرج منها هي دار الجزاء في الآخرة وهي مخلوقة قبل آدم.
          قوله: (بيده) هو من المتشابهات فإما أن يفوض إلى الله تعالى وإما أن يؤول بالقدرة والغرض منه كتابة ألواح التوراة.
          قوله: (أربعين سنة) المراد بالتقدير هنا الكتابة في اللوح المحفوظ أو في صحف التوراة وإلا فتقدير الله أزلي و(آدم) بالرفع بلا خلاف أي غلب على موسى بالحجة و(ثلاثا) أي قال رسول الله صلعم فحج آدم موسى ثلاث مرات ولا ينافي ما تقدم في كتاب الأنبياء أنه قالها مرتين وأما التقاؤهما فقيل أنه بالأرواح وقيل أنه بالأبدان ولا يبعد أن الله تعالى أحياهما كما في ليلة الإسراء أو أحيا آدم في حياة موسى.
          الخطابي: إنما حجة آدم في رفع اللوم إذ ليس لأحد من الآدميين أن يلوم أحداً به وأما الحكم الذي تنازعاه فإنما هو في ذلك على سواء إذ لا يقدر أحد أن يسقط الأصل الذي هو القدر ولا أن يبطل الكسب الذي هو السبب ظاهراً ومن فعل واحداً منهما خرج عن القصد إلى أحد الطرفين مذهب القدر والجبر.
          النووي: معناه أنك تعلم أنه مقدر فلا تلمني وأيضاً اللوم شرعي لا عقلي وإذ تاب الله عليه وغفر له ذنبه زال عنه اللوم فمن لامه كان محجوجاً فإن قيل: فالمعاصي منا لو قال هذه المعصية كانت بتقدير الله لم تسقط عنه الملامة قلنا هو باق في دار التكليف وفي لومه زجر له ولغيره عنها وأما آدم فميت خارج عن هذه الدار فلم يكن في القول فائدة سوى التخجيل ونحوه.
          قوله: (محمد بن سنان) بكسر المهملة وبالنونين و(فليح) مصغر الفلح بالفاء والمهملة و(عبدة) ضد الحرة ابن أبي لبابة بالضم وبالموحدتين أبو القاسم الأسدي و(وراد) بفتح الواو وشدة الراء مولى المغيرة بن شعبة الثقفي وكاتبه.
          قوله: (الجد) هو ما جعل الله تعالى للإنسان من الحظوظ الدنيوية و(من) بمعنى البدل وتسمى بمن البدلية كقوله تعالى: {أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ} [التوبة:38] أي: بدل الآخرة أي: المحظوظ لا ينفعه حظه بذلك أي بدل طاعتك قال الراغب: قيل أراد بالجد أبا الأب أي لا ينفع أحداً نسبه.
          النووي: منهم من رواه بالكسر وهو الاجتهاد أي: لا ينفع ذا الاجتهاد منك اجتهاده إنما ينفعه رحمتك.
          و(ابن جريج) مصغر الجرج بالجيمين هو عبد الملك والوافد إلى معاوية هو عبدة مر في آخر كتاب الصلاة.
          قوله: (سمي) بضم المهملة وخفة الميم وشدة التحتانية مولى أبي بكر المخزومي و(الجهد) بالفتح أشهر وهو الحالة التي يختار عليها الموت وقيل هو قلة المال وكثرة العيال و(الدرك) بفتح الراء اللحاق والتبعة و(الشقاء) بالفتح والمد الشدة والعسر وهو يتناول الدينية والدنيوية و(سوء القضاء) / أي: المقضي إذ حكم الله كله حسن و(الشماتة) هي الحزن بفرح العدو والفرح بحزنه، وإنما دعا صلعم بذلك تعليماً لأمته هذه دعوة جامعة مر شرحها في كتاب الدعوات حيث قال سفيان هذه الأمور الأربعة ثلاثة منها في الحديث والواحدة منها كلامي أنا زدت عليها.
          قوله: (موسى بن عقبة) بضم المهملة وسكون القاف و(عبد الله) هو ابن عمر و(مقلب القلوب) أي مقلب أغراضها وأحوالها من الإرادة وغيرها، إذ حقيقة القلب لا تتقلب.
          وفيه دلالة على أن أعمال القلوب من الإرادات والدواعي وسائر الأغراض يخلق الله تعالى كأفعال الجوارح.
          قوله: (ابن حفص) بالمهملتين و(بشر) بالموحدة المكسورة وبالمعجمة و(ابن صياد) اسمه صاف و(الدخ) بضم المهملة وشدة المعجمة الدخان، وقيل: أراد أن يقول الدخان فلم يمكنه لهيبة رسول الله صلعم أو زجره رسول الله صلعم فلم يستطع أن يخرج الكلمة تامة وقيل هو نبت موجود بين النخيلات والمشهور أنه أضمر له في قلبه آية الدخان، وهي: {فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ} [الدخان:10] وهو لم يهتد منها إلا لهذا اللفظ الناقص على عادة الكهنة، ولهذا قال صلعم لن تجاوز قدرك وقدر أمثالك من الكهان الذين يخطفون من إلقاء الشياطين كلمة واحدة من جملة الكثيرة المختلطة صدقا وكذبا.
          و(اخسأ) بالهمز يقال خسأ الكلب إذا بعد وهو خطاب زجر وإهانة و(لن تعدو) في بعضها بحذف الواو تخفيفاً أو بتأويل لن بمعنى لم، والجزم بلن لغة حكاها الكسائي.
          قوله: (إن يكنه) وفيه رد على النحوي حيث قال والمختار في خبر كان الانفصال و(لا تطيقه) أي: لا تطيق قتله إذ المقدر أنه يخرج في آخر الزمان خروجاً يفسد في الأرض ثم يقتله عيسى ◙.
          قوله: (لا خير) فإن قلت: كان يدعي النبوة فلم لا يكون قتله خيراً؟ قلت: لأنه كان غير بالغ أو كان في أيام مهادنة اليهود وحلفائهم وأما امتحانه ◙ بالخبئ فلإظهار بطلان حاله للصحابة وأن مرتبته لا تتجاوز عن الكهانة مر في أواخر الجنائز.
          قوله: (بفاتنين) أي: قال الله تعالى: {مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ. إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ} [الصافات:162-163] أي: مفضلين إلا من كتب الله تعالى أنه يصلى الجحيم وقال تعالى: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى:3] أي قدر الشقاء والسعادة وأما لفظ (وهدى الأنعام لمراتعها) فهو تفسير لمثل قوله تعالى: {رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50] لا للفظ فهدى إذ ذلك لا يناسب الشقاوة والسعادة.
          قوله: (إسحاق الحنظلي) بفتح المهملة والمعجمة وسكون النون بينهما و(النضر) بسكون المعجمة ابن شميل مصغر الشمل و(داود بن أبي الفرات) بضم الفاء وخفة الراء وبالفوقانية المروزي و(عبد الله بن بريدة) مصغر البردة الأسلمي قاضي مرو و(يحيى بن يعمر) بصيغة مضارع العمارة القاضي أيضاً بها فرجال الإسناد كلهم مروزيون وهذا من الغرائب و(الطاعون) الوباء وقيل: هو بثر مؤلم جداً يخرج غالباً من الآباط مع لهيب واسوداد حواليه وخفقان القلب.
          فإن قلت: ما معنى كون العقاب رحمة؟ قلت: هو وإن كان محنة صورة لكنها رحمة من حيث تتضمن مثل أجر الشهيد فهو سبب الرحمة لهذه الأمة ومر مباحثه في كتاب الطب.
          قوله: (جرير) بفتح الجيم ابن حازم بالمهملة والزاي و(أبو إسحاق) هو السبيعي و(البراء) بتخفيف الراء وبالمد ابن عازب بالمهملة وبالزاي و(بغوا) أي: ظلموا و(أبينا) من الإباء وفي بعضها من الإتيان ومر في أوائل الجهاد، والله الموفق للسداد.
          الزركشي:
          (وقال منصور بن النعمان) قيل: صوابه ((ابن المعتمر))، ومنهم من عكس.
          (خيبتنا) الخيبة: الحرمان والخسران.
          (ثم وفدت) بفتح الواو والفاء.
          (الدرك) بالفتح: اللحاق والوصول إلى الشيء.
          (اخسأ) أصل الكلمة غير مهموز، يقال: خسأت الكلب خسأ؛ أي: طردته فذهب، وهو ذهاب معه ذل.
          (فلن تعدو) بالنصب لأن ((لن)) ناصبة للفعل، ويروى: ((تعد)) بالجزم، وهي لغة قوم.
          (إن يكنه) استدل به ابن مالك على أن اتصال الضمير إذا وقع خبراً لكان، لكن في / رواية: ((إن يكن هو)) فلا دليل فيه، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (تحاج آدم) الحجة الدليل والبرهان قيل: حاججته حجاجاً ومحاجة، وأنا حجاج وحجيج فعيل بمعنى فاعل.
          آدم صلعم لم يحتج على موسى بالقدر وإنما قال العلماء أنه أراد آدم أن الذي وقع منه إنما وقع وهو في الجنة وهي ليست دار تكليف، وأن الله تعالى تاب عليه وتقبل توبته فكأنه قال له كيف تلومني بعد ذلك وقد مضى وانقضى فلا فائدة في التعسف على ذلك فحج آدم موسى صلى الله عليهما.
          أقول: وفيه لطف الوالد بالولد وحسن محاورته وجزاءه الولد على الوالد والمواجهة بالكلام الخشن وقد كان في خلق موسى ◙ حدة.
          قوله: (جهد البلاء) أي الحالة الشاقة (دارك الشقاء) الدرك ما يلحقك من التبعة يحرك ويسكن وسوء القضاء ساء يقال استاء بكذا أي: ساءه سوء القضاء.
          قوله: (السكينة) أي: الوقار والتأني في كل حركة يقصدها وقد تأتي بمعنى المغنم وقد تأتي بمعنى الرحمة.
          و(ثبت الأقدام) ثبت الشيء يثبت بالضم ثباتاً وثبوتا وتثبت في الأمر تأنى.
          و(قد بغوا علينا) الفئة الباغية الظالمة الخارجة عن طاعة الإمام، وأصل البغي مجاوزة الحد.
          و(فتنة أبينا) الإباء أشد الامتناع.