مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: العمل بالخواتيم

          ░5▒ باب العمل بالخواتيم
          فيه حديث أبي هريرة: شهدنا مع رسول الله خيبر... الحديث.
          ثم ذكر مثله من حديث سهل وسلفا في غزوة خيبر، وسلف حديث أبي هريرة في الجهاد أيضاً.
          وهذا أعني (إنما الأعمال بالخواتيم) حكم الله في عباده في الخير والشر، فيغفر الكفر وأعماله بكلمة الحق يقولها العبد عند الموت قبل المعاينة لملائكة العذاب، وكذلك يحبط عمل المؤمن إذا ختم له بالكفر، كذلك هذا الحكم موجود في الشرع، لقوله: ((من أدرك ركعة من الصلاة، فقد أدرك الصلاة))وقوله: ((من أدرك ركعة من الصبح)) وكذلك: ((من العصر)) فجعله مدركاً لفضل الوقت بإدراك الخاتمة، وإن كان لا يدرك منه إلا أقله، وكذلك من أدرك جزءاً من ليلة عرفة قبل الفجر، فوقف بها أدرك الحج، وتم له ما فاته من مقدماته، كما عهد الذي لم يعمل خيراً قط أن يحرق ويذرى، فكانت خاتمة سوء عمله خشية أدركته لربه تلافاه الله بها، فغفر له سوء عمله طول عمره، هذا فعل من لا تضره الذنوب، ولا تنفعه العبادة، وإنما تنفع وتضر المكتسب لها الدائم عليها إلى أن يموت. نبه على ذلك المهلب.
          وفي قوله: (العمل بالخواتيم) حجة قاطعة على أهل القدر في قولهم: إن الإنسان يملك أمر نفسه، ويختار لها الخير والشر. فمهما اتهموا اختيار الإنسان لأعماله الشهوانية واللذيذة عنده، فلا يتهمونه باختيار القتل لنفسه، إذ هو أوجع الآلام، وأن الذي / طيب عنده ذلك غير اختياره، والذي يسر له، دون جبره عليه ولا مغالب له، هو قدر الله السابق في علمه، والختم في حكمه.
          قوله: (يدعي الإسلام) أي: تلفظ به.
          قوله: (كثرت به الجراح وأثبتته) أي: صرعه صرعاً لا يقدر معه على القيام.
          قوله: (فاشتد رجال) أي: أسرعوا في السير إليه، لا جرم قال في الحديث الثاني: فأقبل الرجل إلى رسول الله مسرعاً.
          قوله: (فأهوى بيده إلى كنانته وانتزع منها سهماً فانتحر به) وذكر في الحديث الثاني: فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتى خرج من بين كتفيه.
          والظاهر أنها قضية واحدة، وأن الراوي نقل على المعنى، ويحتمل أن يكونا رجلين.
          وفيه من علامات النبوة: ظهور صدقه.
          والكنانة: الجعبة التي فيها السهام.
          قوله: (لا يدخل الجنة إلا مؤمن) أي: مصدق بقلبه، ويصدقه قوله: ((إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر)).
          وفيه: جواز الاستعانة بالمشركين في قتال الكفار، وهو مذهبنا، وأجازه، وأباه في ((المدونة)).
          قوله في الحديث الثاني: (غناء عن المسلمين) الغناء بالفتح والمد الجزاء والنكاية وإن كسر الغين قصر، قاله الداودي.
          وقال ابن ولاد: الغناء ممدود النفع، يقال: إن فلاناً لقليل الغنى، قال: والغنى ضد الفقر مقصور يكتب، ومن الصوت ممدود مكسور.
          قوله: (فجعل ذباب سيفه بين ثدييه) سلف عن ابن فارس أنه قال: الثندؤة، بالهمز للرجل، والثدي للمرأة.
          والجوهري جعل الثدي للرجل، وهذا الحديث شاهد له.