مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس}

          ░10▒ باب {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً} [الإسراء:60]
          فيه حديث عكرمة، عن ابن عباس قال: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ} [الإسراء:60] إلى آخره.
          قوله: {إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ} قيل: إنما فتن الناس بالرؤيا والشجرة؛ لأن جماعة ارتدوا، وقالوا: كيف يسري به إلى بيت المقدس في ليلة واحدة، وقالوا لما أنزل الله شجرة الزقوم: كيف يكون في النار شجرة لا تأكلها؟ فكان فتنة لقوم، واستنصاراً لقوم، منهم: أبو بكر، ويقال: إنه سمي صديقاً ذلك اليوم، فإن قلت: لم يذكر في القرآن لعن هذه الشجرة، ففيه جوابان: أنه قد لعن آكلها، وهم الكفار، كما قال تعالى: {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ. طَعَامُ الْأَثِيمِ} [الدخان:43-44]، وقال: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} [الصافات:64]، والآخر تقول: فكل طعام مكروه ملعون.
          قال المهلب: معنى ذكر هذا الحديث في كتاب القدر، هو ما ختم الله على الناس المكذبين لرؤياه من المشركين، حين جعلها فتنة لهم في تكذيب النبي الصادق، فكان زيادة في طغيانهم، وكذلك جعل الشجرة الملعونة في القرآن فتنة، فقالوا: كيف تكون في النار شجرة النار تحرق الشجر اليابس والأخضر، فجعل ذلك فتنة تزيد في ضلالتهم، فلا يؤمنون على ما سبق في علمه.
          قال غيره: وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي} [الإسراء:60] الآية تقتضي خلق الله للكفر به، ودواعي الكفر هي الفتنة، وذلك عدل منه تعالى، وهذا مثل قوله تعالى: {وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ} [إبراهيم:27]، فهذا عام في فعله تعالى، كفر الكافرين، وإيمان المؤمنين، ودواعي الإيمان والكفر، خلافاً لمن زعم أن الله تعالى غير خالق أعمال العباد.
          وقد سلف أن الله تعالى قال: {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} [الصافات:64] فأخبر تعالى أنها تنبت في النار، وهي مخلوقة من جوهر لا تأكله النار، كسلاسل النار، وأغلالها، وعقاربها، وحياتها، وليس شيء من ذلك من جنس ما في الدنيا بما لا يبقى على النار(1)، وإنما خلقت من جنس لا تأكله النار، وكما خلق الله تعالى في البحار من الحيوان ما لا يهلك في الماء، وخلق في الخل دوداً يعيش فيه، ولا يهلكه، على أن الخل يفت الحجارة، ويهري الأجسام، ولم [يكن] ذلك إلا لموافقة ذلك الدود لجنس الخل، وموافقة حيوان البحر لجنس الماء، فكذلك ما خلق الله في النار من الشجر والحيوان موافق لجنس الدار، والله تعالى قادر أن يجعل النار برداً وسلاماً، وأن يجعل الماء البارد ناراً؛ لأنه على كل شيء قدير، فما أنكره الكفار من خلق الشجر في النار عناد بين، وضلال واضح.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: بل في الدنيا نحو ذلك وذلك أن السميد هو طين أبيض يعيش في النار ولا يحترق بل لذته كونه في النار)).