مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: {يحول بين المرء وقلبه}

          ░14▒ باب {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:24]
          فيه حديث سالم، عن عبد الله قال: كثيراً ما كان النبي صلعم يحلف: ((لا ومقلب القلوب)).
          وحديث سالم، عن أبيه قال: قال النبي صلعم لابن صياد... الحديث وسلف.
          قوله: {يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال:24] يقتضي النص منه تعالى على خلقه للكفر والإيمان، بأن يحول بين قلب الكافر والإيمان الذي أمره به، فلا يكتسب به إذ لم يقدر عليه، بل أقدره على ضده، وهو الكفر، ويحول بين المؤمن وبين الكفر الذي نهاه عنه، بأن لم يقدره عليه، بل أقدره على الإيمان الذي هو به متلبس، وإذا خلق لنا جميعاً القدرة على ما هما مكتسبان له، مختاران لاكتسابه، فلا شك أنه خالق لكفرهما وإيمانهما؛ لأن خلقه لكفر أحدهما، وإيمان أحدهما من جنس خلق قدرتهما عليهما، ومحال كونه قادراً على شيء غير قادر على خلافه أو مثله أو ضده، فبان أنه خالق بهذا النص لجميع كسب العباد خيرها، وشرها، وهذا معنى قوله: ((لا، ومقلب القلوب))؛ لأن معنى ذلك تقليبه قلب عبده عن إيثار الإيمان، إلى إيثار الكفر وعكسه، وكان فعل الله ذلك عدلاً في من أضله وخذله؛ لأنه لم يمنعهم حقًّا وجب عليه، فتزول صفة العدل، وإنما منعهم ما كان له أن يتفضل عليهم، لا ما وجب لهم، وأضلهم لأنهم ملك من ملكه، خلقهم على إرادته لا على إرادتهم، فكان ما خلق فيهم من قوة الهداية والتوفيق على وجه التفضل.
          وقد بين هذا المعنى إياس بن معاوية، ذكر الآجري من حديث حبيب بن الشهيد، قال: جاءوا برجل يتكلم في القدر إلى إياس بن معاوية، فقال له إياس: ما تقول؟ قال: أقول: إن الله أمر العباد ونهاهم، وأنه لا يظلمهم شيئاً. فقال له إياس: أخبرني عن الظلم، تعرفه أو لا تعرفه؟ قال: بل أعرفه. قال: ما الظلم؟ قال: أن يأخذ الرجل ما ليس له. قال: فمن أخذ ما له ظلم؟ قال: لا، قال إياس: فإن لله ╡ كل شيء.
          وقال عمران بن حصين لأبي الأسود الديلي: لو عذب الله [أهل] السموات والأرض لعذبهم وهو غير ظالم لهم، ولو رحمهم لكانت رحمته وسع لهم، ولو أنفقت مثل أحد ذهباً ما تقبل مني حتى تؤمن / بالقدر خيره وشره.
          وروي مثل ذلك عن ابن مسعود، وأبي بن كعب، وسعد بن أبي وقاص، وزيد بن ثابت.
          وموافقة الحديث للترجمة، هو قوله ◙: لعمر: ((إن يكن هو فلا تطيقه)) إلى آخره، يعني أنه: إن كان الدجال قد سبق في علم الله خروجه، وإضلاله للناس، فلن يقدرك خالقك على قتل من سبق في علمه أنه يخرج، ويقتل الناس، إذ لو أقدرك على ذلك لكان فيه انقلاب علمه، والله يتعالى عن ذلك.