مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: {وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون}

          ░9▒ باب {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا}الآية [الأنبياء:95]
          وقال منصور بن النعمان.. إلى آخره.
          وساق عن ابن عباس: ما رأيت شيئاً أشبه باللمم.. إلى آخره.
          قول منصور: أخرجه أبو جعفر، عن ابن قهزاذ، عن أبي عوانة عنه، وحديث أبي هريرة سلف.
          قوله: (وقال شبابة إلى آخره) أخرجه الطبراني في ((أوسط معاجمه)): ثنا عمر بن عثمان، ثنا ابن المنادي عنه. فذكره.
          قوله: (وجب) زاد عنه غيره: أي: وجب عليهم أنهم لا يتوبون. وقال أبو عبيدة: (لا) هاهنا زائدة، ويذهب أن حراماً على بابه، وأنكره البصريون؛ لأن لا، لا تزاد إلا فيما لا يشكل.
          وقيل: المعنى: أن يتقبل منهم عمل؛ لأنهم لا يتوبون. قاله الزجاج، وقيل: الحرام في اللغة: المنع، والمعنى: حرام عليهم الرجوع إلى الدنيا.
          وقال المهلب: المعنى: وجب عليهم أنهم لا يتوبون، وحرام، وحرم معناهما واحد، وهما قراءتان، والتقدير: وحرام على قرية أردنا إهلاكها، التوبة من كفرهم، وهذا كقوله تعالى: {أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ} [هود:36]، أي: قد تقدم علم الله تعالى في قوم نوح أنه لا يؤمن منهم غير من آمن، ولذلك قال نوح: {رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ} الآية [نوح:26]، إذ قد أعلمني أنه لن يؤمن منهم إلا من قد آمن، فأهلكهم لعلمه تعالى أنهم لا يرجعون إلى الإيمان.
          قوله: (بالحبشية) لعله يريد أنما وافقت العربية، أو عربتها العرب، واستعملتها، وإلا فالقرآن بلسان عربي مبين.
          وموافقة الترجمة للحديث هو قوله ◙: ((إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا)) فأخبر أن الزنا ودواعيه كل ذلك مكتوب مقدر على العبد غير خارج من سابق قدره.
          قوله: (أدرك ذلك لا محالة) إدراكه من أجل أن الله تعالى كتب عليه.
          قوله: (أشبه باللمم) يريد قوله تعالى: {إِلَّا اللَّمَمَ} [النجم:32] فالنظر والنطق من اللمم، واللمم: صغار الذنوب، وهي مغفورة باجتناب الكبائر، وسلف ما للعلماء في ذلك في كتاب الأدب، وذكر عن ابن عباس أنه أعني: اللمم أن يتوب من الذنوب ولا يعاودها وقاله مجاهد والحسن، وروي عن ابن عباس: كل ما دون الزنا فهو لمم.
          وقال ابن مسعود: العينان تزنيان بالنظر، والشفتان تزنيان وزناهما التقبيل، واليدان تزنيان وزناهما اللمس، والرجلان تزنيان وزناهما المشي وقيل: اللمم: الصغائر، وقيل: النظرة التي تكون فجأة.
          وقيل: في قوله تعالى: {إِلَّا اللَّمَمَ} إلا بمعنى: الواو، وأنكره الفراء، وقال: المعنى: إلا التقارب من صغير الذنوب.
          وسمي النظر والمنطق، وما سلف زنا؛ لأنها دواع إليه، والسبب / قد يسمى باسم المسبب مجازاً واتساعاً لما بينهما من التعلق، غير أن زنا العين والتمني غير مؤاخذ به من اجتنب الزنا بفرجه؛ لأنه كذب زنا جوارحه بترك الزنا بفرجه، واستخف زنا عينيه، ولسانه، وقلبه؛ لأن ذلك من اللمم الذي يغفر باجتناب الكبائر. وزنا الفرج من أكبر الكبائر، فمن فعله فقد صدق زنا عينيه، ولسانه، وقلبه، فيؤاخذ بإثم ذلك كله.
          و(محالة) بفتح الميم أي: لا بد.
          قوله: (والنفس تمنى وتشتهي) دليل على أن فعل العبد ما نهاه الله عنه مع تقدم تقديره له تعالى عليه، وسابق علمه بفعله، باختيار منه وإيثار، وليس بمجبر عليه، ولا مضطر إلى فعله. وعلى هذا علق العذاب والثواب، فسقط قول جهم بالإجبار، وقوله ◙: ((والنفس تمنى وتشتهي))؛ لأن المجبر مكره مضطر، وهو بخلاف المشتهي، والمتمني.
          قوله: (والفرج يصدق ذلك ويكذبه) يعني: إذا قدر على الزنا، فيما كان فيه النظر والتمني، فإن زنا صدق ذلك، وأضيف بعضهم إلى بعض، فإن امتنع ويخاف ربه كتب له حسنة، وقد سلف ذلك.
          ومنصور بن النعمان هو الربعي، البكري اليشكري أبو حفص البصري سكنها، ثم مرو، ثم سكن بخارى، ذكره ابن أبي حاتم في ((جرحه وتعديله)) وذكره ابن حبان في ((ثقاته)).