مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب لا حول ولا قوة إلا بالله

          ░7▒ باب لا حول ولا قوة إلا بالله
          فيه حديث أبي موسى الأشعري قال: كنا مع رسول الله في غزاة... الحديث وسلف.
          قوله: (اربعوا) بالموحدة. قال ابن السكيت: ربع الرجل يربع إذا وقف وانحبس.
          ومنه قولهم: اربع على نفسك؛ أي: ارفق بها وكف.
          قوله: (من كنوز الجنة) يعني: أن ثوابها كثير، يوجب الجنة. قاله الداودي.
          وهذا باب جليل في الرد على القدرية، وذلك أن معنى لا حول ولا قوة إلا بالله: لا حول للعبد ولا قوة له إلا بالله، أي: يجلب الله له الحول والقوة، التي هي القدرة على فعله للطاعة والمعصية.
          قال المهلب: فأخبر ◙ أن الباري خالق لحول العبد وقدرته على مقدوره، وإذا كان خالقاً للقدرة فلا شك أنه خالق للشيء المقدور، فيكون المقدور كسباً للعبد خلقاً لله، بدليل قوله تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد:16]، وقوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49]، قال محمد بن كعب القرظي: نزلت هذه الآية الأخير[ة] تعييراً لأهل القدر، والدليل على أن أفعالهم خلق لله أن أيديهم التي هي عندهم خالقة لأعمال الشر من الظلم والتعدي، وفروجهم التي هي خالقة للزنا، قد توجد عاطلة من الأعمال عاجزة عنها.
          ألا ترى أن من الناس من يريد الزنا، وهو تشهيه بعضو لا آفة فيه، فلا يقدر عليه عند إرادته للزنا، ولو كان العبد خالقاً لعمله لما عجزت أعضاؤه عند إرادته ومستحكم شهوته، فثبت أن القدرة ليست لها، وأنها لمقدر يقدرها إذا شاء، ويعطلها إذا شاء، لا إله إلا هو.
          وإنما أمرهم بالربع على أنفسهم على جهة الرفق بهم، وسلف هذا المعنى في الجهاد في باب ما يكره من رفع الصوت بالتكبير. وعرفهم ◙ أن ما يعلنون به من التكبير ويجتهدون فيه من الجهاد، هو فضل الله عليهم، إذ لا حول لهم ولا قوة في شيء منه إلا بالله الذي أقدرهم عليه، وحببه إليهم، وإن كان فيه تلاف نفوسهم، رغبة في جزيل الأجر وعظيم الثواب.
          وفيه: أن التكبير يسمى دعاء، لقوله: ((إنكم لا تدعون أصم ولا غائبا)) فجعل قولهم: الله أكبر. دعاء له من أجل أنهم كانوا يريدون به إسماعه الشهادة له بالحق.