مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: جف القلم على علم الله

          ░2▒ باب جف القلم على علم الله تعالى
          وقال أبو هريرة إلى آخره.
          فيه حديث عمران بن حصين قال: قال رجل: يا رسول الله، أيعرف أهل الجنة من أهل النار؟ قال: ((نعم))... الحديث.
          عرض (خ) في هذا الباب غرضه السالف من إدحاض حجة القدرية / بهذه النصوص من كلام الله وكلام رسوله، كما نبه عليه المهلب، فأخبر أنه قد فرغ من الحكم على كل نفس، وكتب القلم بما يصير إليه العبد من خير أو شر في أم الكتاب، وجف مداده على المقدور من علم الله، وأضله الله على علم به، ومعرفة ما كان يصير إليه أمره لو أهمله، ألا تسمعه قد بين ذلك في كتابه حيث يقول: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ}الآية [النجم:32] فعرفنا أنه كان بنا عالماً حين خلق آدم من طينة الأرض المختلفة، وأحاط علماً بما يقع من تلك الطينة لكل شخص من أشخاص ولده إلى يوم القيامة المتناسلين من صلب إلى صلب في أعداد لا يحيط بها إلا محصيهم تعالى، وعلم ما قسمه من تلك الطينة من طيب أو خبيث، وعلم ما يعمل كل واحد من الطاعة والمعصية؛ ليشاهد أعماله بنفسه، وكفى بنفسه شهيداً عليه، ولتشهد عليه ملائكته، ومن عاينه من خلقه، فتنقطع حجته، وتحق عقوبته.
          ولذلك قال لأبي هريرة حين أراد أن يختصي خشية الزنا على نفسه: ((قد جف القلم)) الحديث، فعرفه أنه لا يعدو ما جرى به القلم من خير أو شر، فإنه لا بد عامله ومكتسبه، فنهاه عن الاختصاء بهذا القول، الذي ظاهره التخيير، ومعنى النهي والتكسب لمن أراد الهروب عن القدر، والتعريف له أنه إن فعل فإنه أيضاً من القدر المقدور عليه فيما جف به القلم عليه.
          قال المهلب أيضاً: في حديث الباب حجة لأهل السنة على المجبرة من أهل القدر، وذلك قوله: ((اعملوا فكل ميسر لما خلق له)) ولم يقل: مجبر على ما خلق له، وإنما أراد لما خلق له من عمله للخير أو للشر، فإن قلت: إنما أراد بقوله: لما خلق له الإنسان من جنة أو نار، فقد أخبر أنه ميسر لأعمالها ومختار لا مجبر؛ لأن الجبر لا يكون باختيار، وإنما هو إكراه.
          قيل: أول ما خلق الله تعالى اللوح والقلم والدواة، وقيل للقلم: اكتب ما يكون، فكتب. وروي عن ابن عباس: أول ما خلق القلم فقال: اكتب قال: ما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة، فكتب. ثم خلق نون، فوقع ذلك، فذلك قوله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم:1]، وذكر أيضاً عنه: أن أول ما خلق الله الدواة، وهي نون والقلم، فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة.
          قوله تعالى: {وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية:23] أي: علم الله تعالى في الأزل من يضله، هذا معنى ما ذهب إليه (خ) في الترجمة كما مر، وقيل معناه: أنه أضله بعد أن أعلمه وبين له فلم يقبل.
          قوله: (كل يعمل لما خلق له أو لما يسر له) إنما قال إحداهما، يعني: أنه إنما يعمل ما سبق في علمه سبحانه أنه يعمله.