الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

حديث: لا يزال ناس من أمتي ظاهرين حتى يأتيهم

          3640- وبالسند قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ): نسبه لجدِّه، وإلا فأبوه محمَّد، واسم أبي الأسود: حُميد بن الأسود البصري، وهو ابنُ أخت عبد الرحمن بن مهدي، قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى): أي: ابن سعيد القطان (عَنْ إِسْمَاعِيلَ): أي: ابن أبي خالد البَجَلي.
          قال: (حَدَّثَنَا قَيْسٌ): أي: ابن أبي حازم (قال: سَمِعْتُ المُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ ☺ عَنِ النَّبِيِّ صلعم قَالَ: لاَ يَزَالُ): بفتح التحتية (نَاسٌ): أي: طائفة، وفي بعضِ الأصول: <أُناس> بهمزة مضمومة (مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ): بالظاء المعجمة خبر ((يزال)) زاد مسلم عن ثوبان: ((على الحق)) وله أيضاً عن جابر: ((يقاتلون على الحق ظاهرين)).
          (حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ): أي: القيامة؛ لما عند مسلم عن جابر بن سَمُرة: ((حتى تأتيهُم السَّاعة)) وجملة: (وَهُمْ ظَاهِرُونَ): حالية؛ أي: غالبون من خالفهُم وعالون عليه، من ظهرت، علوت وعليت؛ أي: قائمون بأمرِ الدين وناصرون له إلى قُرب الساعة.
          وقال النوويُّ: ((أمرُ الله)) هو الريح الذي يأتي فيأخذ روحَ كلِّ مؤمنٍ ومؤمنة، وقال أيضاً: في الحديث دليلٌ لكون الإجماع حجَّة وهو أصحُّ ما يستدلُّ به من الحديث، وأمَّا حديث: ((لا تجتمعُ أمتي على ضلال)) فضعيفُ، واستدلَّ به أكثر الحنابلة وطائفةٌ من غيرهم على أنه لا يجوزُ خلو الزمان عن مجتهدٍ، وعُورض بما رواه البخاري وغيره عن ابن عُمر رفعه: ((إنَّ الله لا ينزعُ العلمَ بعد أن أعطاكُمُوه انتزاعاً ولكن ينتزعُه منهم مع قبضِ العلماء بعلمِهم، فيبقَى ناسٌ / جهَّال يستفتونَ فيفتُوني برأيهم فيَضِلُّون ويُضِلُّون)) إذ فيه جواز خلوِّ الزمان عن مجتهدٍ، وهو قول الجمهورِ إذ فيه تصريحٌ برفع العلم بقبضِ العلماءِ وترؤس الجهلاء، وإذا لم يبقَ العلم ومن يحكمُ به استلزم انتفاءَ الاجتهادِ والمجتهد، والمرادُ بالناس والطَّائفة هم أهل العلم مطلقاً.
          وقال أحمد بن حنبل: هم أهلُ الحديث فإن لم يكونوا هم فلا أدري من هم، وقال التُّوْرِبِشتي: الأمَّة القائمةُ بأمرِ الله وإن اختلفَ فيها القصْد بها الفئة المرابطةُ في سبيلِ الله نصرَ الله بهم الإسلام؛ لما في حديث آخر: ((يأتي وهم بالشام)).
          وقال النوويُّ: يحتملُ أن هذه الطَّائفة متفرِّقة من أنواعِ المؤمنين فمنهم شُجعان مُقاتلون، ومنهم فقهاء مستنبطُون، ومنهم محدِّثون حافظون، ومنهم زهَّاد عابدون، ومنهم مَن بالمعروف آمرون وعن المنكرِ ناهون، ومنهم أنواعٌ أخرى من أهلِ الخير فاعلون، ولا يلزم أن يكونوا مجتمعين بل قد يكونون في الأقطارِ متفرِّقين، والحديث أخرجه المصنِف في الاعتصام والتَّوحيد، ومسلم في الجهاد.