إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إني لأعلم آخر أهل النار خروجًا منها

          6571- وبه قال: (حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ) هو عثمان بن محمَّد بن أبي شيبة، واسم أبي شيبة: إبراهيم بن عثمان العبسيُّ الكوفيُّ، أخو أبي بكرٍ والقاسم قال: (حَدَّثَنَا جَرِيرٌ) بفتح الجيم، ابن عبد الحميد الرَّازيُّ (عَنْ مَنْصُورٍ) هو ابنُ المعتمر (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) النَّخعيِّ (عَنْ عَبِيدَةَ) بفتح العين وكسر الموحدة، ابن عمرو السَّلمانيِّ (عَنْ عَبْدِ اللهِ) يعني: ابنَ مسعودٍ ( ☺ ) أنَّه قال(1): (قَالَ النَّبِيُّ صلعم ‼: إِنِّي لأَعْلَمُ) بلام التَّأكيد (آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا) من النَّار نفسها، أو من مرورهِ على الصِّراط المنصوب عليها (وَآخِرَ أَهْلِ الجَنَّةِ دُخُولًا رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ كَبْوًا) بفتح الكاف وسكون الموحدة، لكنَّه مُضبَّبٌ عليها في الفرع(2)، وفي الهامش: ”حَبوًا“ بالحاء المهملة، وعليها علامةُ أبي ذرٍّ، أي: زحفًا وزنًا ومعنًى(3)، وفي رواية أنسٍ عن ابن مسعودٍ _عند مسلمٍ_: «آخرُ من يدخلِ الجنَّةَ رجلٌ فهو يمشِي مرَّةً ويكبُو مرَّةً وتسفعهُ النَّارُ مرَّةً، فإذا جاوزَهَا التفت إليهَا فقال: تباركَ الَّذي نجَّانِي منكِ» (فَيَقُولُ اللهُ) ╡ له: (اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ. فَيَأْتِيهَا فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلأَى) بفتح الميم والهمزة بينهما لام ساكنة (فَيَرْجِعُ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى فَيَقُولُ) الله تعالى له: (اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ. فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلأَى فَيَأْتِيهَا فَيَرْجِعُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلأَى، فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجَنَّةَ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا. أَوْ إِنَّ لَكَ مِثْلَ عَشَرَةِ أَمْثَالِ الدُّنْيَا. فَيَقُولُ) الرَّجل: (تَسْخَرُ مِنِّي) بفتح الفوقية والمعجمة استفهام محذوفُ الأداة، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”بي“ الموحدة والتَّحتية بدل «مني» (أَوْ) قال: (تَضْحَكُ مِنِّي) بالشَّكِّ (وَأَنْتَ المَلِكُ) بكسر اللام، ولمسلمٍ من رواية أنس عن ابن مسعودٍ: «أتستهزئُ عليَّ وأنت ربُّ العالمين» وهذا واردٌ(4) منه على سبيلِ الفرحِ، غيرُ ضابطٍ لِما نالَه من السُّرور ببلوغِ ما لم يخطرْ بباله، فلم يضبطْه لسانُه دهشةً وفرحًا، وجرَى على عادتهِ في الدُّنيا من مخاطبةِ المخلُوق، ونحوه في حديثِ التَّوبة قول الرَّجل عند وجدانِ زادهِ مع راحلتهِ من شدَّة الفرحِ: «أنت عبدِي وأنا ربُّك». قال عبدُ الله بن مسعودٍ: (فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم ضَحِكَ) أي: تعجُّبًا وسرورًا ممَّا رأى من كمالِ رحمة الله ولُطفه بعبدِهِ المذنبِ وكمالِ رضاه عنه (حَتَّى بَدَتْ) ظهرتْ (نَوَاجِذُهُ) بنون فواو مفتوحتين وبعد الألف جيم مكسورة فذال معجمة فهاء، جمع: ناجذةٍ. قال ابنُ الأثير: النَّواجذُ من الأسنان: الضَّواحكُ وهي الَّتي تبدُو عند الضَّحك. قال الرَّاوي نقلًا عن الصَّحابة، أو عن غيرهم: (وَكَانَ يُقَالُ ذَلِكَ) ولأبي ذرٍّ: ”وكان يقول ذاك“ بغير لامٍ (أَدْنَى) أقلّ (أَهْلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً) ذَكَر الكِرمانيُّ أنَّ هذه المقالة ليست من تتمَّة كلامهِ صلعم بل من كلام الرَّاوي نقلًا عن الصَّحابة أو غيرهم. وقال في «الفتح»: قائلُ / «وكان يُقال» الرَّاوي كما قال الكِرمانيُّ، وأمَّا المقالةُ فهي من قولهِ صلعم كما في أوَّل حديثِ أبي سعيدٍ _عند مسلمٍ_ بلفظ: «أدنى أهل الجنَّة منزلةً رجلٌ صرفَ الله وجهَهُ عن النَّار...» وساق الحديث إلى آخرهِ(5)، واعترضه العينيُّ بأنَّه لا يلزم من كونها في آخر حديث ابن مسعودٍ أن تكون من كلامهِ صلعم . وأجاب في «الانتقاض» فقال: إن أرادَ الاستلزام العقليَّ فليس مرادًا هنا بل يكفي‼ الظَّنُّ القويُّ النَّاشئ عن الاستدلال؛ لأنَّ الأمر ليس مرجعه العقل، والصَّحابي إذا لم يكن ينظرُ في كتب أهلِ الكتاب، ولا ينقلُ عنهم كابن مسعودٍ انحصرَ أنَّه نقل عن النَّبيِّ صلعم ، سواءٌ كان ذلك بواسطةٍ أم لا، فبَطل الاعتراضُ. انتهى. ورُواتُه كلُّهم كوفيُّون.
          والحديثُ أخرجهُ المؤلِّف أيضًا في «التَّوحيد» [خ¦7511]، ومسلمٌ والتِّرمذيُّ في «صفة جهنَّم»، وابن ماجه في «الزُّهد».


[1] «قال»: ليست في (ص) و(ع) و(ل).
[2] في (د) و(ج): «الفتح».
[3] في (د): «وزنه ومعناه».
[4] في (د): «ورد».
[5] قوله: «بلفظ أدنى... إلى آخره»: ليس في (د).