إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: هبلت أجنة واحدة هي؟إنها جنان كثيرة

          6567- 6568- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ) بن سعيدٍ قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ) أي: ابنُ أبي(1) كثيرٍ الأنصاريُّ الزُّرقيُّ، أبو إسحاق القاري (عَنْ حُمَيْدٍ) الطَّويل البصريِّ، مولى طلحة الطَّلحات (عَنْ أَنَسٍ) ☺ (أَنَّ أُمَّ حَارِثَةَ) الرُّبيِّع _بالتَّصغير_ بنت النَّضر، عمَّة أنس بن مالكٍ، و«حارثة» هو ابن سراقة بنِ الحارث بنِ عديٍّ الأنصاريِّ (أَتَتْ رَسُولَ اللهِ) ولأبي ذرٍّ: ”النَّبيَّ“ ( صلعم وَقَدْ هَلَكَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ) وقال ابنُ مَنْدَه: يوم أحُدٍ، والأوَّل هو المشهور المعتمد (أَصَابَهُ غَرْبُ سَهْمٍ) بفتح الغين المعجمة وسكون الراء مضافًا لسهمٍ، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”سَهْم غَرْب“ بتقديم «سهمٍ» مع التَّنوين على الصِّفة، أي: لا يُدْرَى من رَماه (فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ عَلِمْتَ مَوْقِعَ حَارِثَةَ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”موضِعَ حارثة“ (مِنْ قَلْبِي، فَإِنْ كَانَ فِي الجَنَّةِ لَمْ أَبْكِ عَلَيْهِ، وَإِلَّا سَوْفَ تَرَى مَا أَصْنَعُ. فَقَالَ) صلعم (لَهَا: هُـَـِبِلْتِ؟) في «اليونينيَّة» بكسر الهاء، ولأبي ذرٍّ بضمها وفتحها وكسر الموحدة وسكون اللام، فقدتِ عقلكِ، استفهامٌ حُذفت منه الأداة (أَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ، إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ، وَإِنَّهُ فِي) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”لفي“ (الفِرْدَوْسِ الأَعْلَى).
          (وَقَالَ) صلعم : (غَدْوَةٌ) بفتح الغين‼ (فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ رَوْحَةٌ) بفتح الراء (خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ) بلام مفتوحة للتَّأكيد والقاف بعدها ألف فموحدة، أي: قدر قوسِ أحدِكم (أَوْ مَوْضِعُ قَدَمٍ مِنَ الجَنَّةِ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”قدمه“ بالإضافة، وله عن الحَمُّويي والمُستملي: ”قَـِدِّه♣“ بكسر القاف وفتحها وتشديد الدال المهملة، أي: مقدارُ سوطه؛ لأنَّه يُقَدُّ، أي: يقطع طولًا (خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) من متاعِهِا (وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الجَنَّةِ اطَّلَعَتْ) بهمزة الوصل وتشديد الطاء المهملة (إِلَى الأَرْضِ لأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا) بين السَّماء والأرض (وَلَمَلأَتْ مَا بَيْنَهُمَا رِيحًا) طيِّبةً (وَلَنَصِيفُهَا) بفتح اللام للتَّأكيد والنون وكسر الصاد المهملة بعدها تحتية ساكنة ثمَّ فاء. قال قتيبة راويه(2): (يَعْنِي: الخِمَارَ) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الميم، ما تغطِّي به رأسها(3) (خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا) من متاعهَا، وقيل: النَّصيف المِعْجَر، وهو بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح الجيم، وهو ما تلويهِ المرأةُ على رأسهَا، وقال الأزهريُّ: هو كالعصابَة تلفُّه على استدارةِ رأسها. وعند ابنِ أبي الدُّنيا من حديث ابن عبَّاسٍ: «ولو أخرجَتْ نصيفَهَا لكانت الشَّمس عند حُسنها مثلَ الفتيلةِ من الشَّمس لا ضوءَ لها، ولو أطلعتْ وجهها لأضاءَ حُسنها ما(4) بين السَّماء والأرض، ولو أخرجتْ كفَّها لافتتنَ الخلائقُ بحُسنها».
          فإن قلت: ما وجه الرَّبط بين قوله: «غدوةٌ في سبيلِ الله أو روحةٌ» وبين قوله: «ولقابُ قوس أحدكم؟...» إلى آخره، أُجيب بأنَّ المراد: أنَّ ثواب غدوةٍ(5) في سبيلِ الله خيرٌ من الدُّنيا وما فيها؛ لأنَّ ثوابها جنَّةٌ نصيفُ امرأةٍ منها خيرٌ من الدُّنيا وما فيها.


[1] «أبي»: ليست في (د). والمثبت موافق للتقريب.
[2] في (د): «قتيبة أحد رواته».
[3] «ما تغطي به رأسها»: ليست في (د).
[4] «ما»: ليست في (د).
[5] في (ع): «غزوة».