إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب حفظ اللسان

          ░23▒ (باب) مشروعيَّة (حِفْظِ اللِّسَانِ) عن النُّطق بما لا يسوغ شرعًا. قال ابنُ مسعودٍ ☺ : «ما شيءٌ أحوجُ إلى طولِ سجنٍ من اللِّسان». وقال بعضُهم: اللِّسان حيَّة مسكنها الفمُ (وَقَوْلِ النَّبِيِّ صلعم : مَنْ كَانَ) وسقط لغير أبي ذرٍّ «وقول النَّبيِّ...» إلى آخره(1)، وقال: ”من كان“ (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا، أَوْ لِيَصْمُـِتْ) بكسر الميم في «اليونينية» وتضم، أي: ليسكُت. وهذا قد وصلهُ في هذا الباب [خ¦6475].
          (وَقَوْلِهِ) ولأبي ذرٍّ: ”وقول الله“ (تَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ}) ابنُ آدم ({مِن قَوْلٍ})(2) ما يتكلَّم به وما يرمِي به من فِيْهِ ({إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ}) حافظٌ ({عَتِيدٌ}[ق:18]) حاضرٌ يكتبه لا يتركُ كلمةً ولا حركةً، وهل يكتب كلَّ شيءٍ؟ ظاهر الآية العموم، وقال به الحسن وقتادة، أو إنَّما يكتب ما(3) فيه ثوابٌ أو عقابٌ، وبه قال ابن عبَّاسٍ. نعم روى عليُّ بن أبي طلحةَ، عن ابن عبَّاس في الآية قال: «يَكْتُبُ كلَّ ما يُتَكَلَّمُ(4) به من خيرٍ أو شرٍّ حتَّى إنَّه ليَكتُبُ قوله(5): أكلتُ شربتُ ذهبتُ‼ جئتُ رأيتُ، حتَّى إذا كان يوم الخميس عُرض(6) قولُه وعملُه، فأُقِرَّ منه ما كانَ من خيرٍ أو شرٍّ وأُلقِي سائرُهُ، وذلك قوله: {يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}[الرعد:39]» وقال الحسنُ البصريُّ _وتلا هذه الآية {عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ}[ق:17]_ يا ابن آدم بُسِطَتْ لك صحيفةٌ ووُكِّل بك ملكان كريمان أحدُهما عن يمينكَ والآخرُ عن شمالك، فأمَّا الَّذي عن يمينكَ فيحفظُ حسناتكَ، وأمَّا الَّذي عن يساركَ فيحفظُ سيئاتكَ، فاعملْ ما شئتَ أَقِلَّ أو أَكْثِرَ حتَّى إذا متَّ طُويتْ صحيفتُك وجُعلتْ في عنقكَ معك في قبركَ حتَّى تخرجَ يوم القيامةِ، فعندَ ذلك يقول: {وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا. اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا}[الإسراء:13_14] ثمَّ يقول: عَدَلَ والله من جعلكَ حسيبَ نفسِك.


[1] في (ب) و(س): « صلعم ».
[2] في (د) زيادة: «أي».
[3] في (ص) زيادة: «يجد».
[4] في (د): «تكلم».
[5] في (ع) و(ص): «قول».
[6] في (ص): «كتب».