إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إذا دخل أهل الجنة الجنة

          6560- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُوسَى) بن إسماعيل، أبو سلمة التَّبوذكيُّ الحافظ قال: (حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ) بضم الواو مصغَّرًا، ابن خالدٍ الباهليُّ مولاهم، الكرابيسيُّ الحافظ قال: (حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى) بفتح العين المهملة (عَنْ أَبِيهِ) يحيى بن عُمَارة _بضم العين المهملة وتخفيف الميم_ المازنيِّ (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ ☺ : أَنَّ النَّبِيَّ) ولأبي ذرٍّ: ”رسول الله“ ( صلعم قَالَ: إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الجَنَّةِ الجَنَّةَ) أي: فيهما، وعبَّر بالمضارعِ العاري عن سين الاستقبال المتمحِّض للحالِ لتحقُّق وقوعُ الإدخال (وَ) يدخل (أَهْلُ النَّارِ النَّارَ) ثمَّ بعد دخولهم فيها (يَقُولُ اللهُ) تبارك وتعالى لملائكتهِ: (مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ) زيادة على أصل التَّوحيد (مِثْقَالُ حَبَّةٍ) أي: مقدار حبَّةٍ حاصلةٍ (مِنْ خَرْدَلٍ) حاصل (مِنْ إِيمَانٍ) بالتَّنكير؛ ليفيد التَّقليل(1)، والقلَّة هُنا باعتبار انتفاء الزِّيادة على ما يكفي، لا لأنَّ الإيمان ببعض ما يجب الإيمانُ به كافٍ؛ لأنَّه عُلِم من عرف الشَّرع أنَّ المرادَ الحقيقة المعهودة، والإيمان ليس بجسمٍ فيحصرُه الوزن، والمراد أنَّه يجعل عمل العبد _وهو عَرَضٌ_ في جسمٍ على مقدارِ العمل عندَه تعالى ثمَّ يُوزن، أو تمثَّل الأعمال جواهر (فَأَخْرِجُوهُ) من النَّار (فَيُخْرَجُونَ) منها، حال كونهم (قَدِ امْتُحِشُوا) بضم الفوقية وكسر المهملة وضم المعجمة، احترقوا (وَعَادُوا حُمَمًا) بضم الحاء المهملة وفتح الميم، فَحْمًا (فَيُلْقَوْنَ) بضم التحتية وسكون اللام وفتح القاف (فِي نَهَرِ الحَيَاةِ) بالفوقيَّة بعد الألف، ونهرُ الحياة هو الَّذي مَن غُمس فيه حَيي (فَيَنْبُتُونَ) بضم الموحدة، ثانيًا (كَمَا تَنْبُتُ الحِبَّةُ) بكسر الحاء المهملة وتشديد الموحدة، بزر العشبِ، أو البقلةُ الحمقاء؛ لأنَّها تنبت سريعًا‼ (فِي حَمِيلِ السَّيْلِ) بفتح الحاء المهملة وكسر الميم وسكون التَّحتية آخره لام، فعيلٌ بمعنى مفعول، وهو ما جاء به من طينٍ، أو غثاءٍ و(2)غيره، فإذا كانت فيه حبَّةٌ واستقرَّت على شطِّ مجرى(3) السَّيل، فإنَّها تنبتُ في يومٍ وليلةٍ، فشبَّه بها سرعة عَود أبدانهم وأجسامِهم إليهم بعد إحراق النَّار لها (أَوْ قَالَ: حَمِيَّةِ) بفتح الحاء المهملة وكسر الميم وتشديد التَّحتية، كذا في «الفرع»، أي: معظم جَرْيِ (السَّيْلِ) واشتدادِهِ، وقال الكِرمانيُّ: الحَمْـِأة♣ _بالفتح وسكون الميم وبكسرها وبالهمزة_: الطِّين الأسودُ المنتن، والشَّكُّ من الرَّاوي.
          (وَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : أَلَمْ تَرَوْا) خطابٌ لكلِّ مَن يتأتَّى منه الرُّؤية (أَنَّهَا تَنْبُتُ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”تخرج“ حالَ كونها (صَفْرَاءَ) تسرُّ النَّاظرين، وحالَ كونها (مُلْتَوِيَةً) أي: منعطفةً، وهذا ممَّا يزيد الرَّياحين حُسنًا باهتزازهِ وتميُّله، والمعنى: فمَن كان في قلبهِ مثقالُ حبَّةٍ من إيمانٍ يخرجُ من ذلك الماء نضرًا متبخترًا كخروج هذه من جانبِ السَّيل صفراء متميِّلةً. وقال النَّوويُّ: لسرعةِ نباتهِ يكون ضعيفًا، ولضعفهِ يكون أصفرَ ملتويًا، ثمَّ بعد ذلك تشتدُّ قوَّته.
          والحديثُ مضى في «باب تفاضل أهلِ الإيمان» من «كتاب الإيمان»(4) [خ¦22].


[1] في (ع): «التعليل».
[2] «و»: ليست في (ع)، وفي (ص): «أو».
[3] في (س): «بحر».
[4] «من كتاب الإيمان»: ليست في (د).