إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن أهل الجنة ليتراءون الغرف في الجنة

          6555- 6556- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبيُّ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ، عَنْ أَبِيهِ) أبي حازمٍ سلمة بن دينارٍ (عَنْ سَهْلٍ) هو ابنُ سعدٍ السَّاعديُّ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ لَيَتَرَاءَوْنَ) بفتح اللام والتحتية والفوقية والهمزة، لينظرون (الغُرَفَ فِي الجَنَّةِ) بضم الغين المعجمة وفتح الراء، جمع: غُرْفة _بضم ثمَّ سكون_ (كَمَا تَتَرَاءَوْنَ) أنتم في الدُّنيا (الكَوْكَبَ) زاد الإسماعيليُّ: ”الدُّرِّيَّ(1)“ (فِي السَّمَاءِ).
          (قَالَ) عبد العزيز: قال (أَبِي) أبو حازمٍ (فَحَدَّثْتُ النُّعْمَانَ) ولأبي ذرٍّ: ”فحدَّثت به النُّعمان“ (ابْنَ أَبِي عَيَّاشٍ) بالتَّحتية والمعجمة، الزُّرقيَّ (فَقَالَ: أَشْهَدُ) والله(2) (لَسَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ) الخدريَّ ☺ (يُحَدِّثُ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”يحدِّثه“ أي: الحديث المذكور (وَيَزِيدُ فِيهِ: كَمَا تَرَاءَوْنَ) بفوقية واحدة مفتوحة والهمزة (الكَوْكَبَ الغَارِبَ) بتقديم‼ الرَّاء على الموحدة، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”الغابر“ بتأخير الرَّاء، من الغبور، يقال: غَبَرَ الشَّيء غُبُورًا؛ بقي. قال الأزهريُّ: الغابرُ من الأضداد، يُطلق على الماضي والباقي، والمعروفُ الكثيرُ أنَّه بمعنى الباقي، ومن معنى الباقي قوله في الحديث: «إنَّه اعتكفَ العشر الغوابرَ من رمضان» أي: البواقي، وقال في «المطالع»: الغابرُ: البعيدُ، أو الذَّاهب الماضي، كما في الرِّواية الأخرى: «الغارب» والمعنى هُنا: كما تراءون الكوكب الباقي (فِي الأُفُقِ) وهو طرف السَّماء (الشَّرْقِيِّ وَالغَرْبِيِّ) بعد انتشارِ ضوء الفجرِ، فإنَّما ينتشرُ في ذلك الوقت الكوكب المضيءُ، وضَبط(3) بعضُهم: ”الغائِر“ بتحتية مهموزة بين الألف والراء، من الغور، يريد انحطاطه في الجانب الغربيِّ، ورُوي: ”العازب“ بالعين المهملة والزاي، ومعناه: البعيد في الأُفُق، وكلُّها راجعةٌ إلى معنًى واحدٍ، وفائدةُ تقييدِ الكوكب بالدُّرِّيِّ ثمَّ بالغابرِ في الأُفُق _كما قال في «شرح المشكاة»_: الإيذان بأنَّه من باب التَّمثيل منتزعٌ من عدَّة أمورٍ متوهَّمة في المشبَّه، شبَّه رُؤية الرَّائي في الجنَّة صاحب الغُرفة برؤية الرَّائي الكوكبَ المستضيء الباقي في جانبِ الغرب والشَّرق في الاستضاءةِ مع البعد والرِّفعة، فلو قال: الغائِر _بالهمز(4)_ لم يصحَّ؛ لأنَّ الإشراق يفوتُ عند الغور(5)، اللَّهمَّ إلَّا أن يؤوَّل بالمستشرفِ على الغور(6)، كما في قوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ}[البقرة:234] أي: شارفنَ بلوغ الأجلِ، لكن لا يصحُّ هذا المعنى في الجانب الشَّرقيِّ. نعم يصحُّ إذا اعتبرتهُ على طريقة «علفتُها تبنًا وماءً باردًا» أي: طالعًا في الأُفُق من المشرق، وغائرًا في المغرب، قال: وذَكَرَ الشَّرق والغرب، ولم يقل: في السَّماء، أي: في كبدِها(7)؛ لبيان الرِّفعة وشدَّة البُعد.


[1] في (ص): «الَّذي».
[2] في (ع): «بالله».
[3] في (ب) و(س): «ضبطه».
[4] في (د): «بالهمزة».
[5] في (د) و(ص): «الغروب». وكذا هي في شرح المشكاة للطيبي.
[6] في (د): «الغروب». وكذا هي في شرح المشكاة للطيبي.
[7] في (د): «أو كبدها».