إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب نفخ الصور

          ░43▒ (بابُ نَفْخِ الصُّورِ) بضم الصاد المهملة وسكون الواو، وليس هو جمع صورة، كما زعمَ بعضُهم، أي: ينفخُ في الصُّور الموتى، والتَّنزيل يدلُّ عليه؛ قال تعالى: {ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى}[الزمر:68] ولم يقل: فيها، فعلم أنَّه ليس جمع صورة.
          (قَالَ مُجَاهِدٌ) هو ابنُ جبرٍ المفسِّر، فيما(1) وصله الفريابيُّ من طريقِ ابن أبي نَجيحٍ، عنه ({الصُّورِ}) من قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ}[الزمر:68] هو: (كَهَيْئَةِ البُوقِ) الَّذي يزمر به، وقال مجاهدٌ أيضًا: ({زَجْرَةٌ}) من قوله: {فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ}[الصافات:19] أي: (صَيْحَةٌ) وهي عبارةٌ عن نفخ الصُّور النَّفخة الثَّانية، كما عبَّر بها عن النَّفخة الأولى في قوله تعالى: {مَا يَنظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ} الاية[يس:49].
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ☻ فيما(2) وصله الطَّبريُّ(3) وابنُ أبي حاتمٍ من طريق عليِّ بن أبي طلحةَ: (النَّاقُورُ) من قوله تعالى: {فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ}[المدثر:8] هو (الصُّورُ) أي: نُفخ فيه، والنَّاقور فاعول من النَّقر؛ بمعنى: التَّصويت، وأصلُه القرع الَّذي هو سبب الصَّوت.
          وقال ابنُ عبَّاسٍ أيضًا _ممَّا وصلَه ابنُ أبي حاتمٍ والطَّبريُّ(4) في قوله تعالى في سورة النَّازعات_: {يَوْمَ تَرْجُفُ} ({الرَّاجِفَةُ}[النازعات:6]) هي (النَّفْخَةُ الأُولَى) لموتِ الخلق (و{الرَّادِفَةُ}[النازعات:7]) هي: (النَّفْخَةُ الثَّانِيَةُ) للصعقِ والبعثِ.
          وقال في «شرح المشكاة»: الرَّاجفة: الواقعة الَّتي ترجف عندها الأرضُ والجبال، وهي النَّفخة / الأولى(5) وُصِفت بما يحدث بحدوثها، والرَّادفة: الواقعة الَّتي تَردف الأولى وهي النَّفخة الثَّانية(6)، واختار ابن العربيِّ أنَّها ثلاثٌ نفخة الفزع؛ لقوله تعالى: {وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ } الاية[النمل:87] ونَفخة الصَّعق والبَعث؛ لقوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ}[الزمر:68] واستُدِلَّ لابن العربيِّ بما في حديث الصُّور الطَّويل من قوله: «ثمَّ يُنفخ(7) في الصُّور ثلاثُ نفخاتٍ: نفخةُ الفزعِ فيفزعُ أهل السَّماء والأرض بحيث تَذهل كلُّ مرضعةٍ عمَّا أَرضَعت، ثمَّ نَفخة الصَّعق، ثمَّ نَفخة القيام لربِّ العالمين» أخرجهُ الطَّبريُّ لكن سَنده ضعيفٌ ومضطربٌ، وصحَّح القُرطبيُّ أنَّهما نفختان‼ فقط، فالأوليان عائدتان إلى واحدةٍ فزعوا إلى أن صُعقوا، وفي مسلمٍ عن عبد الله بن عَمرو: «ثمَّ يُنفخ في الصُّور فلا يسمعُ أحدٌ إلَّا أصغَى لِيتًا وَرَفَعَ لِيتًا، ثمَّ يُرسل الله مطرًا كأنَّه الطَّلُّ فتنبتُ منه أجسادُ النَّاس، ثمَّ يُنفخ فيه أُخرى فإذا هُم قيامٌ ينظرون»، ففيهِ التَّصريح بأنَّهما نفختان فقط.


[1] في (د): «مما».
[2] في (د): «مما».
[3] في (د): «الطبراني».
[4] في (د): «والطبراني».
[5] «وهي النفخة الأولى»: ليست في (د).
[6] «وهي النَّفخة الثَّانية»: ليست في (د) و(ص) و(ع).
[7] في (د) و(ص): «نفخ».