إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قول النبي: بعثت أنا والساعة كهاتين

          ░39▒ (بابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صلعم : بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ) بالنصب (كَهَاتَيْنِ) أي(1): كما بين هاتين الأصبعين السَّبَّابة والوسطَى، وقوله تعالى: ({وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ}) أي: وما أمرُ قيام السَّاعة في سرعتهِ وسهولتهِ ({إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ}) إلَّا كرجع الطَّرف من أعلى الحدقةِ إلى أسفلها ({أَوْ هُوَ أَقْرَبُ}) أو أمرها أقرب منه بأن يكون في زمان نصف تلك الحركة بل في الآنِ الَّذي يبتدئ فيه، فإنَّه تعالى يُحيي الخلائقَ دفعةً، وما يوجد دفعة كان في آنٍ، و«أو» للتَّخيير(2) بمعنى «بل»، قاله البيضاويُّ كالزَّمخشريِّ. وتعقَّبه أبو حيَّان بأنَّ الإضراب على قسمين، وكلاهما لا يصحُّ هنا، أمَّا أحدُهما بأن(3) يكون إبطالًا للإسناد السَّابق، وأنَّه ليس هو المراد، فهذا(4) يستحيلُ هنا لأنَّه يؤول إلى إسنادٍ غير مطابقٍ. والثَّاني: أن يكون انتقالًا من شيءٍ إلى شيءٍ من غير إبطالٍ لذلك(5) الشَّيء السَّابق، وهذا مستحيلٌ هنا أيضًا؛ للتَّنافي الَّذي بين الإخبار بكونهِ مثل‼ لمحِ البصر في السُّرعة والإخبار بالأقربيَّة، فلا يمكنُ صدقهما معًا. انتهى.
          وقيل(6): المعنى: أنَّ قيام السَّاعة وإن تراخَى فهو عند الله كالشَّيء الَّذي يقولون فيه: هو كلمحِ البصر، أو هو أقربُ مبالغةً في استقرابهِ ({إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[النحل:77]) وسقطَ لأبي ذرٍّ قوله «{أَوْ هُوَ أَقْرَبُ}...» إلى آخره. وقال بعد قوله: {إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ}: ”الآية“.


[1] في (د): «إلا».
[2] قال الشيخ قطَّة ⌂ : لعلَّ الأولى لللإضراب؛ ليلائم ما بعده.
[3] في (د): «فأن».
[4] في (د): «وهذا».
[5] في (د): «إلى ذلك».
[6] في (د): «وقال».