إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى

          4416- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) بالسين المهملة، ابنُ مسرهَدٍ قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى) بنُ سعيدٍ القطَّان (عَنْ شُعْبَةَ) بنِ الحجَّاج (عَنِ الحَكَمِ) بفتح الحاء المهملة والكاف، ابنِ عُتَيبة _بضم العين وفتح الفوقية_ مصغَّرًا (عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ) بسكون العين (عَنْ أَبِيهِ) سعدِ بنِ أبي وقَّاص ☺ : (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ) وكان السَّبب في ذلك ما ذكرهُ ابنُ سعد في «طبقاته» وغيره: أنَّ المسلمينَ بلغهم _من الأنباطِ الذين يقدمون بالزَّيت من الشَّام إلى المدينة_: أنَّ الرُّوم جمَّعت جموعًا، وأجلَبَت معهم لخم وجُذام وغيرهم من متنصِّرة العرب، فندب النَّبيُّ صلعم النَّاس إلى الخروجِ وأعلمهم بجهةِ غزوهم. وعند الطَّبرانيِّ: أنَّ عثمان ☺ كان قد جهَّز عيرًا إلى الشَّام فقال: يا رسول الله، هذه مئتا بعير بأقتابِها وأحلاسِها ومئتا أوقيَّة، فقال ╕ : «لا يضرُّ عثمانُ ما عملَ بعدها» (وَاسْتَخْلَفَ) على المدينةِ (عَلِيًّا) ابنَ عمِّه ☺ (فَقَالَ: أَتُخَلِّفُنِي فِي الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ؟ قَالَ) صلعم له: (أَلَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ) / أخيهِ (مُوسَى) حين خلفهُ في قومهِ بني إسرائيلَ لمَّا خرَجَ إلى الطُّورِ، وقد تمسَّكت الرَّوافض وسائرُ فرقِ الشِّيعة في أنَّ الخلافةَ كانَت لعليٍّ، وأنَّه وصَّى لهُ بها، وكفَّرت الرَّوافض سائرَ الصَّحابة بتقديمهم(1) غيره، وزاد بعضُهُم فكفَّرَ عليًّا؛ لأنَّه لم يقُمْ في طلَبِ حقِّهِ، ولا حجَّةَ لهم في الحديثِ ولا متمسَّك لهُم به؛ لأنَّه صلعم إنَّما قال هذا حينَ استخلفَ على المدينةِ في غزوةِ تبوكٍ، ويؤيدُهُ أنَّ هارونَ المشبَّهُ به لم يكُن خليفةً بعد موسى؛ لأنَّه توفِّي قبل وفاةِ موسَى بنحو أربعينَ سنة، وبين قوله: (إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ) وفي نسخة ”لا نبيَّ“ (بَعْدِي) إذ اتصالهُ به ليس من جهةِ النبوَّةِ، فبقيَ الاتِّصالُ من جهةِ الخلافةِ؛ لأنَّها تليَ النبوَّةَ في المرتبةِ(2)، ثمَّ إنها إمَّا أن تكونَ في حياتِه أو بعد مماتهِ، فخرجَ بعد مماتِه؛ لأنَّ هارونَ مات قبل موسَى، فتعيَّنَ أن تكون في حياتِهِ عند مسيرهِ إلى غزوةِ تبوكِ، كمسيرِ موسَى إلى مناجاةِ ربِّهِ، ولمَّا سارَ ╕ إلى تبوكَ تخلَّفَ ابن أُبيٍّ ومن كان معهُ، وقدمَ النَّبيُّ صلعم ولحقهُ بها أبو ذرٍّ وأبو خيثمةَ، ولحقهُ بها وفد أَذْرُحَ ووفدُ أَيْلةَ، فصالحَهُم صلعم على الجزيةِ، ثمَّ قفلَ صلعم من تبوكَ ولم يلقَ كَيدًا، وقدمَ المدينةَ في شهرِ رمضانَ.
          وحديث الباب أخرجه مسلم في «الفضائل»، والنَّسائيُّ في «المناقب».
          (وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ) سليمانُ بنُ داود الطَّيالسيُّ، فيما وصلهُ البيهقي في «دلائله»، وأبو نُعيم في «مستخرجه»: (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) بنُ الحجَّاجِ (عَنِ الحَكَمِ) بنِ عُتَيبةَ، أنَّه قال: (سَمِعْتُ مُصْعَبًا) فصرَّحَ بالسَّماعِ، بخلافِ الأولى فبالعنعنةِ، ولذا(3) أوردَها.


[1] في (ب) و(س): «بتقدمهم».
[2] في (ب) و(س): «الرتبة».
[3] في غير (ب) و(س): «كذا».