إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع

          4369- وبه قال: (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ) الواشحيُّ قال: (حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ) بالجيم الضُّبعيِّ، أنَّه(1) قال: (سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ) ☻ (يَقُولُ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ صلعم ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا هَذَا الحَيَّ مِنْ رَبِيعَةَ) والحيُّ‼: اسمٌ لمنزلةِ القبيلةِ، ثمَّ سُمِّيت القبيلة به؛ لأنَّ بعضهم يحيا ببعضٍ (وَقَدْ حَالَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ، فَلَسْنَا نَخْلُصُ) بضم اللام (إِلَيْكَ إِلَّا فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، فَمُرْنَا) بضم الميم أصله: أؤمِرنَا _بهمزتين_ فحذفت الهمزة الأصلية للاستثقال، فصارَ أمرُنا، فاستغنى عن همزة الوصل فحذفت، فبقي مُرْ على وزن عُلْ؛ لأنَّ المحذوف فاء الفعل (بِأَشْيَاءَ نَأْخُذُ بِهَا وَنَدْعُو إِلَيْهَا مَنْ وَرَاءَنَا) أي: خلفنا من قومنا (قَالَ) ╕ : (آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: الإِيمَانِ بِاللهِ، شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) أي: وأنَّ محمدًا رسول الله، كما صرَّح به في روايةٍ أخرى [خ¦53] والاقتصارُ على الأولى؛ لكونها صارت علمًا عليهما. وفي «الزَّكاة»: «وشهادة» [خ¦1398] بزيادة واو، وهي زيادةٌ شاذَّةٌ لم يتابعْ عليها حجَّاجَ بن مِنْهال أحدٌ (وَعَقَدَ) بيدهِ (وَاحِدَةً) وهذا يدلُّ على أنَّ الشَّهادة إحدى الأربع (وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا لِلَّهِ خُمْسَ مَا غَنِمْتُمْ) ولم يذكر الصَّوم، وسقطَ لفظ «لله» في الفَرْع وثبتَ في الأصل، وفي نسخةٍ ”إلى الله“ (وَأَنْهَاكُمْ عَنِ) الانتباذِ أو المنبوذ في (الدُّبَّاءِ وَالنَّقِيرِ وَالحَنْتَمِ وَالمُزَفَّتِ).
          وفي «مسند أبي داود الطَّيالسي» بإسناد حسنٍ عن أبي بَكْرة قال: أمَّا الدُّباء: فإنَّ أهلَ الطَّائف كانوا يأخذونَ القَرْع فيخرطون فيه العنبَ، ثمَّ يدفنونهُ حتَّى يُهْدرَ ثمَّ يموت. وأمَّا النَّقيرُ: فإنَّ أهلَ اليمامةِ كانوا ينقرونَ أصل النَّخلةِ، ثمَّ ينبذون الرُّطبَ والبُسرَ، ثمَّ يَدْعونه حتَّى يُهْدر ثمَّ يموت. وأمَّا الحنتَمُ: فجرارٌ يحملُ إلينا فيها الخمرُ. وأمَّا المزفَّتُ: فهذه الأوعيةُ الَّتي فيها الزِّفتُ. وتفسير الصَّحابيِّ أولى أن يُعْتمدَ عليه من غيرهِ؛ لأنَّه أعلمُ بالمراد، ومعنى النَّهي عن الانتباذِ في هذه الأوعيةِ بخصوصِها؛ لأنَّه(2) يسرعُ إليها الإسكار، فربَّما شربَ منها من لا(3) يشعرُ بذلك، ثمَّ ثبتتِ الرُّخصةُ في الانتباذِ في كلِّ وعاءٍ مع النَّهي عن شربِ كلِّ مسكرٍ، كما سيأتي البحثُ فيه في «كتاب الأشربة» [خ¦5585] إن شاء الله تعالى.


[1] «أنه»: ليست في (ب).
[2] في (ب) و(س): «أنه».
[3] في (ب) و(س): «لم».