إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: مرحبًا بالقوم غير خزايا ولا الندامى

          4368- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (إِسْحَاقُ) بنُ إبراهيمَ بنِ رَاهُوْيَه قال: (أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ) عبدُ الملكِ بنُ عمرو (العَقَدِيُّ) بفتح العين والقاف، قال: (حَدَّثَنَا قُرَّةُ) بضم القاف وتشديد الراء، ابنُ خالدٍ السَّدوسيُّ (عَنْ أَبِي جَمْرَةَ) بالجيم والراء، نصرِ بنِ عمرانَ الضُّبعيِّ، أنَّه قال: (قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ) ☻ : (إِنَّ لِي جَرَّةً يُنْتَبَذُ) بضم التحتية وفتح الموحدة مبنيًّا للمفعول (لِي) فيها (نَبِيذٌ) كذا في الفَرْع كأصله(1)، وفي غيرهِ ”تنتبذُ“ بفوقية بدل التحتية ”لي نبيذًا“ بالنصب، ولم يضبطْ ذلك الحافظ ابن حجرٍ، وقال: إسنادُ الفعلِ إلى الجرَّةِ مجازٌ. انتهى. وقال بعضُهم: لعلَّه: جاريةٌ تنتبذُ (فَأَشْرَبُهُ حُلْوًا) كائنة تلك الجرَّةِ التي ينتبذُ لي فيها (فِي) جملة (جَرٍّ) بفتح الجيم وتشديد الراء، جمع جرَّة كجرارٍ (إِنْ أَكْثَرْتُ مِنْهُ) شربًا (فَجَالَسْتُ القَوْمَ فَأَطَلْتُ الجُلُوسَ) معهم (خَشِيتُ أَنْ أَفْتَضِحَ) لأنِّي أصيرُ في حالٍ مثلَ حال السُّكارى (فَقَالَ) ابنُ عبَّاس: (قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ القَيْسِ) القدمة الثَّانية (عَلَى رَسُولِ اللهِ صلعم ) وكانوا ثلاثةَ عشرَ راكبًا كبيرُهم الأشجُّ.
          وسُمِّي منهم في «التَّحرير»: منقذُ بنُ حَبَّان، ومزيدةُ(2) بنُ مالكٍ، وعَمرو بن مرحُوم، والحارثُ بن شُعيبٍ، وعُبيدة بن همَّام، والحارثُ بن جندُب، وصُحَارُ‼ بنُ العبَّاسِ _بصاد مضمومة وحاء مهملتين_ وعندَ ابنِ سعد منهم: عقبة(3) بن جروة(4). وفي «سنن أبي داود»: قيسُ بنُ النُّعمانِ العبديُّ، وفي «مسند البزار»: الجهمُ بنُ قُثْـَم، وعند أحمدَ(5): الرَّسيمُ العبديُّ، وفي «المعرفة» لأبي نُعيم: جويرية العبديُّ، وفي «الأدب» للبخاريِّ: الزَّارعُ بنُ عامرٍ العبديُّ، وأمَّا ما عند الدُّولابيِّ من أنَّهم كانوا أربعينَ؛ فيحتملُ أن يكون الثَّلاثة عشر رؤوسهم، ولذا كانوا ركبانًا والباقونَ أتباعًا.
          (فَقَالَ: مَرْحَبًا بِالقَوْمِ) حال كونهم (غَيْرَ خَزَايَا وَلَا النَّدَامَى) بالألف واللام(6) (فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ المُشْرِكِينَ مِنْ مُضَرَ) فيه: الدلالةُ على تقدُّمِ إسلامِهم على مضرٍ (وَإِنَّا / لَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلَّا فِي أَشْهُرِ الحُرُمِ) لحرمةِ القتالِ فيها عندهُم (حَدِّثْنَا) بكسر الدال المشددة، بصيغة الطَّلب (بِجُمَلٍ مِنَ الأَمْرِ إِنْ عَمِلْنَا بِهِ) أي: بالأمرِ (دَخَلْنَا الجَنَّةَ) برحمة الله (وَنَدْعُو بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا) من قومنا الَّذين خلَّفناهُم في بلادِنا (قَالَ: آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ) أي: بأربعِ جملٍ (وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: الإِيمَانِ بِاللهِ) بالجرِّ بدلًا من «أربع» الأولى (هَلْ تَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللهِ؟) قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هو (شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) زاد في «الإيمان» [خ¦53] «وأنَّ محمدًا رسول الله» (وَإِقَامُ الصَّلَاةِ) إنَّما ذكرَ الشَّهادة تبرُّكًا بها؛ لأنَّهم كانُوا مسلمين مقرِّين بكلمتي الشَّهادة، لكن ربَّما كانُوا يظنُّونَ أنَّ الإيمانَ مقصورٌ عليهما، كما كان ذلك في ابتداءِ الإسلامِ، فالمرادُ: إقامُ الصَّلاةِ وما يليها؛ وهو قوله: (وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ المَغَانِمِ الخُمُسَ) ولم يذكر الحجَّ؛ لكونهِ(7) على التَّراخِي، أو لعدمِ استطاعتهم له من أجلِ كفَّارِ مضرٍ، أو لم يكن فرضٌ، أو لم يقصدْ إعلامَهُم بجميعِ الأحكامِ التي تجبُ عليهم فعلًا أو تركًا، ولذلكَ(8) اقتصر في المنهيِّ على الانتباذِ، وأمَّا في الصِّيام من «سنن البيهقي الكبرى» من زيادةِ ذكرِ الحجِّ فهي روايةٌ شاذَّةٌ، وأبو قِلابةَ الرَّقاشيُّ المذكور في سنده تغيَّر حفظهُ في آخر أمره، فلعلَّ هذا ممَّا حدَّث به في التَّغيُّر، والله أعلم.
          (وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: مَا انْتُبِذَ) وفي «الإيمانِ»: من الانتباذِ [خ¦53] وهي من إطلاقِ المحلِّ وإرادة الحالِّ(9)، كما صرَّحَ به في روايةِ هذا الباب، كرواية النَّسائيِّ: مما ينتبذُ (فِي الدُّبَّاءِ) اليقطين (وَالنَّقِيرِ) وهو أصلُ النَّخلةِ، ينقرُ فيتَّخذ منه وعاء (وَالحَنْتَمِ) بالحاء المهملة والنون والفوقية، الجرَّة الخضراء (وَالمُزَفَّتِ) المطليِّ بالزِّفتِ، واقتصرَ من المناهِي على هذه الأربعة؛ لكثرةِ تعاطِيهم لها.


[1] في (ب) و(س): «وأصله».
[2] في (د): «وبريدة».
[3] في (س): «عتبة».
[4] في (ب) و(د): «جدرة».
[5] في (د): «ابن أحمد».
[6] «بالألف واللام»: ليست في (م) و(ب) و(د)، وفي (د): «نداما».
[7] في (م) زيادة: «كان».
[8] في (م): «كذا»، وفي (ص): «لذا».
[9] قال الشيخ قطة ☼ : لعلَّ الصوابَ: من إطلاق المصدر وإرادة المفعول، وإلا فالانتباذ ليس محلًا لما انتبذ كما هو ظاهر، ولعلَّ موضع ذلك عند قوله في الحديث التالي: «وأنهاكم عن الدباء...»إلى آخره.