إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: كلوا رزقًا أخرجه الله أطعمونا إن كان معكم

          4362- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ) هو ابنُ مسرهَدٍ قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى) القطَّان (عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ) عبدِ الملكِ بنِ عبد العزيز، أنَّه (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (عَمْرٌو) بفتح العين، ابنُ دينار: (أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا ☺ يَقُولُ: غَزَوْنَا جَيْشَ الخَبَطِ وَأُمِّرَ أَبُو عُبَيْدَةَ) ابنُ الجرَّاحِ، بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول، أمرَّهُ النَّبيُّ صلعم علينا (فَجُعْنَا جُوْعًا شَدِيدًا، فَأَلْقَى البَحْرُ) ولأبي ذرٍّ ”لنَا البحرُ“ (حُوتًا مَيِّتًا لَمْ نَرَ مِثْلَهُ) في العِظَم (يُقَالُ لَهُ: العَنْبَرُ) ويقال: إنَّ العنبرَ الَّذي يشمُّ رجيع هذه الدَّابة، وقيل: إنَّه يخرجُ من قعرِ البحرِ يأكلُهُ بعض دوابِّه لدسومتهِ فيقذفهُ رجيعًا، فيوجدُ(1) كالحجارةِ الكبارِ يطفو على الماءِ، فتلقيه الرِّيحُ إلى السَّاحلِ، وهو يقوِّي القلبَ والدِّماغَ نافعٌ من الفالجِ واللَّوقةِ والبلغمِ الغليظ. وقال الشَّافعيُّ ☼ : سمعتُ من قال: رأيتُ العنبر نابتًا(2) في البحرِ ملتويًا مثل عُنق الشَّاةِ وله رائحةٌ ذكيَّةٌ، وفي البحرِ دويبةٌ تقْصده لذكاءِ ريحهِ، وهو سمُّها فتأكلهُ فيقتلها، ويلفظهَا البحرُ فيخرُجُ العنبرُ من بطنِها (فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَظْمًا مِنْ عِظَامِهِ فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ) قال ابن جريج: (فَأَخْبَرَنِي) بالفاء والإفراد، ولأبوي ذرٍّ والوقتِ: ”وأَخْبرني“ (أَبُو الزُّبَيْرِ) محمَّد بنُ مسلمٍ المكيُّ، بالسَّند السَّابق: (أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ: قَالَ) ولأبي الوقتِ ”فقالَ“ (أَبُو عُبَيْدَةَ: كُلُوا) أي: من الحوتِ فأكلنَا (فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلعم ، فَقَالَ: كُلُوا رِزْقًا أَخْرَجَهُ اللهُ) لكم (أَطْعِمُونَا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ) منه شيءٌ (فَآتَاهُ) بالمد، أي: أعطاهُ (بَعْضُهُمْ) وللأَصيليِّ _ونسبها في «الفتح» لابن السَّكن_: ”فأتاهُ بعضُهُم(3) بعضُوٍ منهُ“ (فَأَكَلَهُ) وفيه: حِلُّ ميتة السَّمكِ، وغير ذلك ممَّا لا يخفَى.
          وفي هذه السَّريَّة كان عمرُ بن الخطَّاب، وقد روِّينا حديثها في «الغيلانياتِ»، وفيه: أنَّهُ لمَّا أصابهُم الجوعُ قال قيسُ بنُ سعد: من يشتري منِّي تمرًا بجُزُر، يُوْفيني الجُزُر ههنا وأوفِّيه التَّمر بالمدينةِ، فجعلَ عمرُ يقول: واعجباهُ لهذا الغلام، لا مالَ له يدينُ فيما لغيرهِ، وأنَّه ابتاعَ خمسَ جزائرَ كل جزورٍ بوسقٍ من تمرٍ، فنحرها لهم في مواطن ثلاثةٍ كلَّ يومٍ جزورًا، فلمَّا كان اليوم الرَّابعُ نهاهُ أميره أبو عُبيدة ☺ (4) فقال: أتريدُ أن تخفرَ ذمَّتكَ ولا مالَ لكَ؟ فلمَّا قدمَ قيسٌ لقيه سعدٌ، فقال: ما صنعتَ في مجاعةِ القومِ؟ قال: نحرتُ، قال: أصبتَ، قال: ثمَّ ماذا؟ قال: نحرتُ، قال: أصبتَ(5)، قال: ثم ماذا؟ قال: نُهيت، قال: ومن نهاكَ؟ قال: أبو عُبيدة أميري، قال: ولم؟ قال: زعمَ أن لا مالَ لي‼ وإنَّما المالُ لأبيكَ، قال: فلكَ أربعُ حوائط أدناها حائطٌ تجدُ منهُ خمسينَ وسقًا... الحديث بطوله، اقتصرتُ منه على المراد.


[1] في (م): «فيؤخذ».
[2] في (ب) و(د): «إن العنبر نبات».
[3] الذي في اليونينية أنَّ في رواية الأصيلي: «بعُضْوٍ» بدل: «بعضهم».
[4] قوله: «أبو عُبيدة ☺»: ليست في (س).
[5] في (س) زيادة: «قال: ثم ماذا؟ قال: نحرت. قال: أصبت».